قبل أسبوعين تقريبًا، طالعنا مارك زوكربيرج مؤسس فيسبوك بإعلان جديد، ليس هذه المرة عن خاصية مُستحدثة، أو استحواذ على أحد التطبيقات وضمها لعائلة فيسبوك، وإنما عن خطة ثورية لموقع التواصل الاجتماعي الأشهر لإصدار عُملة افتراضية، ذيّلها بتدشين موقع رسمي للعملة التي أطلق عليها الاسم المبدئي "ليبرا"، يحتوي على ورقة بيضاء بكُل ما يلزم معرفته عن العُملة الرقمية المُزمعة. منذ ذلك الإعلان وعشرات التحليلات الاقتصادية تُحاول التكهن بالأثر الذي من شأنه أن تحدثه عُملة شبيهة في شكل العالم، حيث يصدّرها كيان بحجم فيسبوك، وتعمل بشكل مُستقل تمامًا عن أي بنوك مركزية، ولا وجود مادي أو فئات مطبوعة منها، ولا تستمد قيمتها من مخزون من الذهب مثلاً أو بالنسبة لعُملات أجنبية أخرى، بمعنى أصح، وجود افتراضي بالكامل. وبعيدًا عن هذه التحليلات، يبقى المفهوم نفسه عصيًا على الفهم بالنسبة لغير المتخصصين، ناهيك عن آثارها على النظم الاقتصادية والسياسية، وجالبة للذهن بحُكم تداعي المعاني عملة "البيتكوين" الأشهر في فئة العملات الرقمية المُعماة، والتي يؤكد خبراء أيضًا أنها تمتلك اختلافات جوهرية معها. وفقًا لمقال تحليلي نُشر على موقع وايرد، يقدر عدد مستخدمي منصات شركة فايسبوك ومن ضمنها واتس آب وانستجرام بحوالي 2.7 مليار شخص حول العالم، وبالتالي فمن المشروع بل والضروري التساؤل عن تبعات توحيد كافة هؤلاء أسفل لواء عملة افتراضية واحدة، يتحكم في مصيرها وآليات تطويرها عقل شاب واحد، وكأن زاكربيرج في سبيل التحول بين ليلة وضُحاها لإمبراطور واسع النفوذ، فبعد أن كان مؤسس فيسبوك وخوارزمياته يتحكمون بنسبة لا بأس بها فيما نشاهد وما نقرأ وكيف ننفق أموالنا، أصبح له ذراع جديدة توفر لنا العملات من الأساس بل وتُدرك تحديدًا كم تضم جيوبنا.. ولا يمتد أثر التطور ذاك بالضرورة إلى المجتمع الافتراضي فقط، بل من حقنا جميعًا التساؤل عن أثره على العالم الواقعي، خاصة بعد أن كشفت الانتخابات الأمريكية الأخيرة كيف يمكن للعملاق الأزرق أن يكون مؤثراً في المشهد السياسي الداخلي للقوى العظمى الأحادية في القرن الـ 21. يثير فضولي أيضًا، مصير آلاف وآلاف المعلومات الخاصة بنا لدى العملاق الأزرق لا سيما عند انضمام بيانات عملاتنا الجديدة إلى القائمة، حال تعرض الموقع لضربة اختراق.. وكأننا نرهن كل ما هو خاص، كل ما هو مهم، وقريبًا كل ما هو ثمين في معادلة لا تخضع بالضرورة لعوامل للأمن الرقمي المطلق، فهل هناك ضمانة يطرحها فيسبوك لتدعيم منصاته وبيانات مستخدميه استعدادًا للمرحلة المقبلة؟
مشاركة :