يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان معضلة كبيرة خلال الفترة الحالية تتمثل في إصراره على شراء منظومة «إس 400» الصاروخية الروسية، كمحاولة لكسب ود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والحفاظ على علاقات طيبة معه، في الوقت الذي يواجه فيه إصراراً من جانب الكونجرس على فرض عقوبات عليه في حالة إتمام الصفقة مع موسكو، خاصة أن الأمر يمثل تقويضاً لقدرات حلف الناتو. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية في تحليل جديد في إطار سلسلة من المقالات تلقي الضوء على المشكلة المتفاقمة مع أنقرة دولياً، أنه من بين العديد من اللقاءات التي عقدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع «المستبدين» في قمة مجموعة العشرين بأوساكا كان لقاء مع رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن أردوغان أصر على أن الرئيس الأميركي أخبره بأن واشنطن لن تفرض عقوبات على خطط تركيا المبهمة لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي طراز «إس 400». وصرح الرئيس التركي لوسائل الإعلام المحلية بأن الشحنات الأولى ستصل خلال 10 أيام. ومع ذلك، على الرغم من محاولات إظهار المودة بين الجانبين في أوساكا، فإن الصفقة عبارة عن تصادم بطيء بين تركيا والولايات المتحدة يمكن أن يتحول إلى تدمير كامل مماثل لحطام قطار، وفقاً للتقرير الذي كتبته الهيئة التحريرية للصحيفة. وأكدت «فاينانشيال تايمز» أنه من غير المرجح ألا يفرض الكونجرس الأميركي عقوبات على تركيا، حيث أوضحت واشنطن مراراً وتكراراً أن تركيا لا يمكنها شراء كل من مقاتلات طراز F-35، وهي طائرة مقاتلة جديدة غير مرئية تنتجها الولايات المتحدة وحلفاؤها -بما في ذلك تركيا نفسها- طالما أنها متمسكة بصفقة الصواريخ الروسية، موضحة أن واشنطن حذرت بالفعل في مرات متعددة أنقرة من أنه إذا انضم أردوغان حليف الناتو، إلى روسيا وأصر على الصفقة فسوف تتأثر تركيا بقانون «مواجهة أعداء أميركا من خلال العقوبات». وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن أوقفت بالفعل تدريب الطيارين الأتراك على الطائرة F-35 وأوقفت عمليات التسليم المبكرة لما يصل إلى 100 من الطائرات التي تتوقع أنقرة شراءها، مشددة على أن القرار كان صائباً من جانب الولايات المتحدة. ورأت الصحيفة البريطانية أن صفقة نظام صواريخ «إس 400» هي انتصار دبلوماسي لفلاديمير بوتين، وحملته لتقويض التماسك الغربي، موضحة أنه إذا تم نشر بطاريات الصواريخ داخل تركيا، فإن ذلك سيمكن روسيا من الحصول على معلومات حول الطائرة F-35 التي ستصبح الطائرة الحربية الرئيسية في حلف الناتو. وقالت: «رغم أنه يحق لتركيا، مثلها مثل أي دولة ذات سيادة، أن تتخذ خياراتها بشأن المشتريات الدفاعية، إلا أنها كعضو في الناتو، لا يحق لها أن تخلق ثغرة في تضامن وأمن الحلف». وكشفت الصحيفة عن أن الأمر يتخطى قضية شراء الأسلحة، حيث يكمن جوهر المشكلة في احتياج تركيا الكبير لروسيا نتيجة للحرب في سوريا التي تمثل أيضاً معضلة كبيرة في العلاقات أيضاً بين تركيا والولايات المتحدة. وأضافت الصحيفة: أصبح أردوغان مديناً لبوتين على مدار السنوات الثلاث الماضية، حيث أنقذت موسكو نظام بشار الأسد بينما دعمت أنقرة مجموعة متنوعة من الجماعات المتطرفة التي تحاول الإطاحة به، ومنذ عام 2016، كان الهدف الرئيسي لتركيا هو خنق كيان سوري كردي يتمتع بالحكم الذاتي على حدوده، تديره قوات تدعمها الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش. وتركيا، افتراضياً، تجد نفسها الآن في تحالف هش مع روسيا وإيران في سوريا. وأكدت الصحيفة أنه إذا قام أردوغان بالتراجع عن شراء نظام صواريخ «إس 400»، فقد يصعد بوتين هجومه ضد آخر جيب للمتمردين، في إدلب في شمال غرب سوريا، حيث يوجد لتركيا هناك عشرات المواقع العسكرية، فضلاً عن احتلال تركيا لجيبين حول إدلب، كجزء من حملتها ضد قوات حماية الشعب الكردي، أو وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على جزء كبير من شمال سوريا تحت حدودها، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بموافقة روسيا. وشددت الصحيفة على أنه إذا كان أردوغان يعادي الولايات المتحدة حقاً، فلن تكون عضوية تركيا في حلف الناتو أو شراء مقاتلات «إف 35» هي وحدها موضع النقاش، الأمر سيتخطى ذلك بكثير، ولن يكون من الحكمة أن يثق أردوغان كثيراً في كلمات ترامب الودية خلال اجتماع نهاية الأسبوع الماضي. وختمت الصحيفة بالقول، إن النظام في أنقرة يواجه معضلة كبيرة فهو يحاول كسب الجانبين الأميركي والروسي، إلا أن ذلك غير ممكن نظراً لتعقيد الموقف في المنطقة وتضارب المصالح، وبالتالي فإنه من المؤكد أن أردوغان سيخسر أحد الجانبين، ويجب عليه أن يختار بين العقوبات الأميركية أو الغضب الروسي إذا تراجع عن شراء نظام الدفاع الجوي.
مشاركة :