تحمست لقراءة كتاب الدكتور معجب الزهراني «سيرة الوقت: حياة فرد - حكاية جيل» لدوافع منها تقديري للمؤلف كأحد من كانوا يشعلون الأسئلة بكتابتهم الصحفية وبحكم الانتماء والبحث عن سيرة منطقتي في كتاب. كما أنني استمتعت قبلها بقراءة بعض السيرة المشوّقة للدكتور سعيد أبو عالي، وهو المنتمي إلى جيل أقدم قليلاً من جيل الدكتور الزهراني؛ ربما كنت أبحث سيرة ممتدة! عرج بنا الزهراني بذكريات امتدت من بداية وعيه قبل سنين الدراسة إلى تنقلاته من الباحة للرياض لباريس، ومثل أي كاتب سيرة فالنرجسية أحد دوافع كتابتها، لذا أعتبرها حكاية جيل. تفاعلت مع السيرة، وفق المبررات أعلاه، وقد كتبت كمسيرة حياة وفق تسلسل زمني لا يروي النهم الدرامي أو العمق الفكري. السيرة المحبوكة تتجاوز مجرد تسلسل زمني لمراحل الحياة كما أراها، وإن كان هذا السائد لدى كثير من كتابنا الذين نشروا سيرهم الذاتية. إصرار السارد على شرح مواقفه فيه عدم تقدير على قدرة القارئ على التفسير والاستنتاج، وقد لمست في كل منعطف محاولة تقديم وجهة نظر نقدية تنبع من رؤية المؤلف الراهنة وليس من تلك التي كانت سائدة وقت الحدث والحكاية. عندما تحدث عن دراسته الابتدائية تحول إلى ناقد للمناهج وعندما تحدث عن إقامته في الرياض تحول إلى ناقد للجامعة وهكذا، بدت الحكاية شبيهة بمقالات نقدية قتلت سلاسة البناء الدرامي الممتعة، وأفقدتنا عمق التناول الفكري والاجتماعي في بعض المحطات الحساسة. يُقال إن الناقد لا يستطيع أن يكون حكواتياً، والراوي يفقد تميزه عندما يكون ناقداً، ولست أدري هل أقنعنا الناقد الزهراني راوياً؟! سيرة الوقت حملت تسجيلاً لتاريخ جيل انتقل من الريف إلى المدينة وعرض التحولات التي مرت بها القرية وإنسانها جراء التمدّن والتطور المجتمعي. سجّلت بعض التحولات الاجتماعية وتمرّد شباب المدينة على بيئتهم الأولية وانصهارهم في حكايات المدينة خلف الأبواب. سيرة كفاح ومعاناة سواء في قرارات الانتقال أو السكن والتنقلات بين مجتمعات متباينة، وانتهاءً بالإنجازات العملية والعلمية. أحياناً نسير في تنقلات متنوِّعة ونحقق نجاحات أكاديمية وعملية؛ هل ذلك نتيجة خيارات وقرارات صعبة أم مجرد مصادفات ومسارات وحظوظ حياة جبرية وطبيعية قد يسير فيها أي شخص؟ الكاتب له تصوّره ونترك للقارئ تصوّره بعد قراءة السيرة التي بين أيدينا. أكرر الفكرة بأن جزءاً من الالتباس - في ذهني على الأقل - في قراءتي لمثل هذا العمل هو التفريق بين السيرة الذاتية كحكاية أدبية وفكرية وبين سرد أحداث العمر زمنياً. وربما هو مبالغة مني تحميل سيرة الوقت أكثر مما تحتمل، مما سيطر على نظرتي النقدية تجاهها. على كل حال، أرحب بالأعمال السردية، بما فيها السيرة، حيث تشكِّل ذاكرة الأجيال ومصدراً يجب العناية به وتحفيز كتابته؛ فكما يُقال التاريخ يكتب الوقائع وفق رؤية المنتصر، بينما السيرة والحكاية والرواية تكتب الخلفيات والتحولات الاجتماعية والفكرية المسكوت عنها في كتب التاريخ. تحية للزميل د. معجب الزهراني على توثيقه سيرة حياته ولرحابة صدره بتقبل هذه (المشاكسة) النقدية المتواضعة.
مشاركة :