كشف فريق من الباحثين أن السياسيين معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض العقلية. وأرجعوا ذلك إلى أنهم يعانون من انعدام الأمن الوظيفي ومن التعرض الدائم للانتقاد على شبكات التواصل الاجتماعي، علاوة على التزامهم باتباع جداول عمل ممتلئة بالمهمات. وقد أثبتت نتائج دراسة نشرتها صحيفة دايلي مايل البريطانية أن السياسيين ليسوا بمنأى عن الأمراض النفسية أيضا. وجاء في التقرير النهائي للدراسة أن أعضاء البرلمان البريطاني أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 26 بالمئة. ويحاول الباحثون أن يذكروا الناس بأن “السياسيين بشر وهم يقومون بعمل صعب للغاية”. أجريت الدراسة جامعة كينغز كوليدج في لندن وشارك فيها كل من نيكول فوتربا باحثة في معهد الطب النفسي والنائب المحافظ دان بولتر. وقال فريق الباحثين إنه “من الأهمية بمكان” دعم الساسيين خلال “الأوقات العصيبة”. وأوضحت فوتربا “إن حجم الوصمة التي قد يشعر بها السياسيون، وفق ما توصلت إليه نتائجنا، فاجأنا ويبدو أنه خارج نطاق الوعي العام المتزايد بالصحة العقلية”. وأضاف الدكتور بولتر “هذه هي الدراسة الأولى من نوعها التي تعمل على تقييم الصحة العقلية ورفاهية البرلمانيين في المملكة المتحدة”. وأردف “تشير الدراسة إلى أن هناك درجة عالية من الاضطرابات النفسية والعقلية في صفوف البرلمانيين، كما تطرح تساؤلات مهمة حول كيفية دعم الأشخاص الذين يصنعون القوانين التي تدير بلدنا ويفحصونها والذين يعانون من ضعف الصحة العقلية، بشكل أفضل”. وخلال الدراسة، طُلب من جميع أعضاء مجلس العموم البالغ عددهم 650 عضوا استكمال مسح مجهول بشأن صحتهم العقلية في عام 2016. وتمت مقارنة ذلك مع نتائج المسح الصحي لعام 2014، حيث أكمل 7.871 شخصا من جميع أنحاء إنكلترا نفس الاستبيان. طرح الاستطلاع أسئلة مثل إلى أي مدى كان المشاركون يكافحون للتركيز أو النوم أو الاستمتاع بالأنشطة اليومية. ثم تم تجميع النتائج، بالإضافة إلى الاستفسار عن فرضية معاناتهم من 4 أنواع أو أكثر من الاضطرابات النفسية أو العقلية. ومن بين 146 نائبا استجاب 22.4 بالمئة، أبلغ 34 بالمئة منهم، أي 49 شخصا، عن تعرضهم لأربعة أنواع، على الأقل، من الاضطرابات المذكورة. الباحثون توصلوا إلى أن رجال السياسة كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن انخفاض الثقة والاكتئاب وانحدار القيمة الذاتية ومقارنة مع المسح الصحي، أفصح 26 بالمئة أي 2902 أشخاص من الذين شاركوا في المسح عن نتائج متقاربة. ونشرت النتائج في المجلة الطبية (بريتش ميديكال جورنال). وتبين أن أعضاء البرلمان يفتقدون النوم بسبب القلق والشعور بعدم الجدوى ويعانون من قلة التركيز وهم يكافحون للتغلب على الضغط المستمر. وبالمقارنة مع غيرهم، يكافح السياسيون أيضا للتغلب على الصعوبات والتمتع بالأنشطة اليومية ومواجهة مشكلاتهم. ووجد الباحثون أنهم كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن انخفاض الثقة والاكتئاب وانحدار القيمة الذاتية. ويذكر أن مجموعة من الدراسات السابقة أشارت إلى أن قضاء ساعات العمل البرلمانية يسبب “مستويات عالية من الضغط البدني والعاطفي”. وكتب الباحثون أن هذا قد يكون أسوأ بسبب “مهمات العمل الإضافية والسفر الكثير وانعدام الأمن الوظيفي”. ووجدت إحدى الدراسات أن أعضاء البرلمان أكثر عرضة لخطر “الملاحقة والمضايقة والسلوكيات العدوانية” من عامة الناس. وقالت لويز روبن، مديرة برلمانية في مؤسسة مايند الخيرية، “من المثير للقلق أن نسمع قصصا عن نواب يعانون من الاكتئاب والتعاسة وضعف الصحة العقلية”. وفي الوقت الذي بدا فيه أن اضطراب الصحة العقلية شائعا نسبيا بين أعضاء البرلمان، تبين أن أكثر من ثلاثة أرباع (77 بالمئة) من الذين شملهم الاستطلاع لم يكن لديهم أي دعم في البرلمان. وهذا على الرغم من وجود برنامج سري داخلي، يسمى خدمة الصحة والرفاهية البرلمانية (بارلمانتري هيلث اند ويلبيينغ سرفيس)، وهو مفتوح لجميع النواب. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع (52 بالمئة) لم يشعروا بالراحة عند مناقشة ما يتعلق بصحتهم العقلية. وكتب الباحثون “في بيئة إعلامية أكثر عدائية من أي وقت مضى، يمكن اعتبار سوء الصحة العقلية عاملا يحد من قدارت السياسيين”. وأضافوا “يبدو أن الوصم الذي يتعلق بالصحة العقلية لا يزال يشكل عائقا قويا أمام طلب المساعدة والدعم بين أعضاء مجلس العموم البريطاني”. ويشعر الباحثون بالقلق من أن المزيد من أعضاء البرلمان قد يعانون من مشكلات الصحة العقلية مما تشير إليه دراستهم، حيث تؤدي وصمة العار إلى تأجيل مشاركتهم. ولا يقتصر خطر الاضطرابات النفسية والعقلية على أعضاء البرلمان البريطاني بل يشمل كل من يشتغلون في السياسة، خاصة القادة وأصحاب القرار، في كل أنحاء العالم ولعل الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن الذي توفي جراء إصابته بألزهايمر يشكل أنموذجا عن تأثير الحياة السياسية على الصحة.
مشاركة :