أكد محللون أن العلاقات القطرية التركية تشهد تراجعا متسارعا، لا يقف عند التنصل من تعهدات أمير قطر الشيخ تميم بن حمد العام الماضي باستثمار 15 مليار دولار، كمكافأة لوقوف الرئيس رجب طيب أردوغان في خندق العزلة القطرية الناجمة عن المقاطعة العربية. وتؤكد البيانات الرسمية التركية أن الأمر وصل إلى موجة نزوح جماعية للاستثمارات القطرية الخاصة بسبب الاضطرابات الاقتصادية المستمرة، بحسب الأرقام الصادرة عن مكتب الأوراق المالية المركزي في تركيا. ويجمع المحللون أن قطر في وضع صعب وهي تحاول التوفيق بين المتناقضات، فهي قريبة من تركيا بسبب تشابه سياسات البلدين الداعمة لجماعات الإسلام السياسي، لكنها لا تستطيع المغامرة بعيدا في تحدي الإدارة الأميركية في ظل توتر علاقات واشنطن مع أنقرة. وتشير البيانات إلى أن المستثمرين القطريين سحبوا نحو 790 مليون دولار من بورصة إسطنبول منذ ديسمبر الماضي، لتتراجع استثماراتهم بنسبة 31 بالمئة وتصل إلى نحو 1.8 مليار دولار. ويبدو أن الدوحة تناور مع تحولات بوصلة الأطراف المتنازعة، وتخشى من انحدار الأزمات التركية إلى حفرة أعمق، خاصة اتجاه أردوغان إلى تصعيد جديد من واشنطن واحتمال فرض عقوبات أميركية بسبب إصراره على شراء منظومة صواريخ أس 400 الروسية. وكانت تعهدات الشيخ تميم للرئيس التركي خلال ذروة أزمة الليرة التركية في العام الماضي، قد تضمنت صفقة مبادلة عملات بقيمة 3 مليارات دولار مع البنك المركزي التركي لمساعدة أنقرة على دعم نظامها المالي.وهناك مؤشرات على أن الدوحة تنصلت من ذلك التعهد بسبب استمرار انحدار الليرة التركية، التي فقدت أكثر من 30 بالمئة من قيمتها في العام الماضي، وواصلت الانحدار في العام الحالي لتفقد أكثر من 12 بالمئة أخرى حتى الآن. وتظهر البيانات أن القطريين، لم يساهموا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تدفقت إلى تركيا في الأشهر الأربعة الأولى من العام، سوى بنحو 35 مليون دولار فقط في إجمالي 3.2 مليار دولار. ويشير ذلك إلى تراجع الاستثمارات القطرية، التي تضمنت شراء أصول عقارية، بنسبة 52 بالمئة عن الفترة المقابلة من العام الماضي، حين بلغت نحو 73 مليون دولار. ورغم أن البيانات رسمية وصادرة عن الحكومة التركية، يصر يوسف الجيدة رئيس مركز قطر للمال على معارضتها وتأكيد أن الاستثمارات القطرية في تركيا تجاوزت 20 مليار دولار، وأن الشيخ تميم نفذ تعهداته باستثمار 15 مليار دولار. وتؤكد خلاصة البيانات أن الاستثمارات القطرية المعروفة في تركيا تبلغ نحو 6 مليارات دولار وجميعها تعود إلى سنوات قبل عام 2018، وبضمنها 2.9 مليار دولار مستثمرة في فاينناس بنك و1.2 مليار دولار في شبكة ديجيتورك الفضائية. كما تتضمن 770 مليون دولار في شركة بوينر هولدينغ ونحو 654 مليون دولار في أي بنك و470 مليون دولار في شركة بانفيت لإنتاج الدواجن و125 مليون دولار في صناعة السيارات المدرعة، إضافة إلى عدد من الاستثمارات الصغيرة. ويقول الكاتب في موقع أحوال تركية فيهم تاستيكن إن البيانات لا تعطي أثرا لتعهدات الشيخ تميم بإنفاق 15 مليار دولار في العام الماضي. ويضيف أن الأوضاع الاقتصادية السيئة في تركيا تؤثر على تعهدات القطريين، ويشير على سبيل المثال إلى أن شركة ديجيتورك التي اشترتها مجموعة “بي.أن” القطرية في وضع متعثر جدا. ويرى المحلل الاقتصادي بادر أوزغور إن عدد المشتركين في شركة ديجيتورك انخفض إلى 2.4 مليون من 3 ملايين خلال الأعوام الأربعة الماضية، ولذلك فهي لا ترغب في دفع 1.5 مليار دولار مقابل حقوق بث دوري كرة القدم التركي لمدة ثلاث سنوات. ويؤكد أوزغور أن “تعهدات الاستثمار القطرية في تركيا البالغة 15 مليار دولار ذهبت مع الريح“. وكان مستثمرون قطريون يخططون للاستحواذ على فريق باشاك شهير، وهو فريق كرة قدم في إسطنبول يتمتع بدعم أردوغان الشخصي، لكن يبدو أنهم تراجعوا عن الصفقة. ويذهب البعض إلى أن التراجع سببه فشل النادي في الحصول على لقب الدوري هذا الموسم، لكن محللين يقولون إن “عملية البيع كانت ستمضي على أي حال لو كانت العلاقات القطرية التركية تسير على ما يرام”. ويقول تاستيكن إنه “لا يمكن تفسير أي إحجام قطري عن ضخ استثمارات جديدة أو سحب الاستثمارات الحالية بالظروف الاقتصادية السيئة في تركيا وحدها” ويؤكد أن العوامل السياسية الصعبة تلعب دورا كبيرا. ويضيف أن السلطات التركية أصبحت تدرك حدود ما يمكن أن تفعله قطر، بعد أن فشلت أنقرة في إقناع الدوحة بالوقوف إلى جانبها في محاولات التنافس على الطاقة في شرق البحر المتوسط. ويؤكد أن ذلك أثار غضب أنقرة الشديد، خاصة أن قطر للبترول تعاونت مع شركة إكسون موبيل في صفقة تنقيب عن الغاز مع القبارصة اليونانيين، في موقف يتعارض مع اصطفافات حكومة أردوغان. ورغم أن أنقرة كتمت غضبها من ذلك الاتفاق، إلا أن الخطوة القطرية كانت بلا شك مصدر قلق لها وهي ترفع شعار حماية مصالح القبارصة الأتراك، التي تفجرت بإرسال تركيا سفن الاستكشاف إلى المياه القبرصية، الأمر الذي جوبه بغضب من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
مشاركة :