بين مئات الكتب التي صدرت عن دور النشر في لبنان خلال هذه السنة، تبوّأ كتاب المحامية صونيا ابراهيم عطية، مرتبة مميزة في سلسلة الإصدارات. ومع أن فصوله الأخيرة كُتبت على عجل، إلا أن مضامينه الغنية بالأحداث، تُنبئ عن سعي حثيث لمساعدة المرأة على تأمين أفضل الفرص المتساوية لطموحات الرجل. وبما أنها ترعرعت في كنف والدها المحامي عوض ابراهيم ومارست مهنة المحاماة مع شريك عمرها المحامي زغلول عطية (عضو المجلس الدستوري)، فقد جاءت مذكراتها منسجمة مع المهنة التي شغلت كل أوقاتها. كما جاء عنوان الكتاب مُعبِّراً عن التحديات التي واجهتها في طريق العمل الشاق: «مسيرتي في محراب الحق والعدالة». اختارت «دار سائر المشرق» لصاحبها الكاتب أنطوان سعد، صورة الغلاف للمؤلفة، كما تخيّلها الرسام المعروف وجيه نحلة. وهي نسخة عن لوحة صمّمها وجيه للمحامية صونيا. الموضوع المركزي في سطور هذا الكتاب، يتمحور حول الأشخاص المؤثرين في حياتها مثل والدها عوض ابراهيم ووالدتها جوزفين ناصيف، والعميد ريمون إده، الذي تعتبره قدوة في الوطنية ونبراساً في الحياة السياسية. في الجزء الأول من الكتاب، قدّمت المحامية صونيا سلسلة أمثلة على مراحل تكوين اهتماماتها بأوضاع المرأة وأهمية دعم تطلعاتها. وذكرت أنها تعاونت مع طالبات الصف الابتدائي في تأسيس جمعية خطابية أطلقن عليها اسم «جمعية الفتاة الناهضة». وكان الغرض من وراء إنشائها، مؤازرة المنتسبات على تنمية الثقة بالنفس وتشجيع الطالبات على التحلي بروح المنافسة والاندفاع. بعد مراجعة مرحلة الدراسة الجامعية، بدأت صونيا مسيرتها المهنية في مكتب جان نفّاع، النقيب السابق للمحامين، والمعروف باختصاصه في القانون الإداري. ثم انتقلت إلى مكتب المحامي أنيس صالح الذي كان يتولى قضايا متنوعة أكسبتها خبرة في حقل الدعاوى المدنية والجزائية والتجارية. وعندما انفجرت أزمة «بنك إنترا» سنة 1966، وجدت صونيا عطية نفسها غارقة في استنباط الحلول والمخارج لأخطر مشكلة مالية واجهها لبنان في عهد الرئيس شارل حلو. وأطلت على القرّاء بكتاب مفتوح نشرته في حينه جريدة «التلغراف» الواسعة الانتشار، تحت عنوان «كتاب مفتوح من محامية». ثم أتبعته باقتراح نشرته صحيفة «النهار» تحت عنوان: محامية تقترح حلاً لإنترا: حولوا الأسهم إلى الدائنين. والثابت أن هزيمة 1967 المدوية، قد صدمت بتداعياتها المؤلمة المحامية التي كتبت في الصحف مقالاً عنوانه «الارتجال والاستهتار بالعدو كانا من أسباب النكسة». وكان من الطبيعي أن تؤثر تلك الهزيمة العسكرية في قناعات الصبية الطامحة إلى بناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة العربية. وفي سنة 1968 تسنى لصونيا اكتشاف الجواب في نصوص كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون». ومع أنها عثرت على تفسير يحمّل استخبارات قيصر روسيا مسؤولية «فبركة» تلك البروتوكولات، إلا أنها اعتبرتها مطبّقة على أرض الواقع، من طريق الخبث والغش والمداهنة والمراوغة والخداع. وبناء على تلك القناعة، ألقت محاضرة عن هذا الموضوع في «مؤتمر المحامين العرب» ضمّنتها قناعتها عن ضرورة رفض التطبيع مع إسرائيل في ظل هدر حقوق الشعب الفلسطيني والاعتداءات المتكررة على لبنان والدول العربية. وفي الفصل الثالث من المذكرات المليئة بالعبر، كرّست صونيا عطية الجزء الأكبر من نشاطها النقابي للدفاع عن حقوق المرأة العربية. وقد تجلى هذا المنحى في التكريم الاستثنائي الذي حصلت عليه من قبل «اتحاد المحامين العرب» مطلع التسعينات في «الدار البيضاء» في المغرب. وكانت في حينه تمثل لبنان في ذلك المؤتمر مع الراحلة نينا طراد حلو، عقيلة الرئيس المرحوم شارل حلو. وفي ديباجة البراءة حول شهادة التقدير، كتب فاروق أبو عيسى، الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، يقول: «وذلك تقديراً لدورها الرائد في خدمة القضايا الوطنية، واستقلال سلطة القضاء والمحاماة، وتعزيز حقوق الإنسان في وطننا العربي». هذا غيض من فيض، سجّلت فيه المحامية صونيا ابراهيم عطية، لوحات متفرقة عن نشاطها المتواصل في الحقلين الاجتماعي والسياسي. وقد ركّزت في كل مواقفها المعلنة على أهمية كسر الحواجز أمام المرأة، بحيث يرتقي العرب إلى مستوى التغيير المطلوب. ويكفيها فخراً أنها لم تلعن الظلام... بل أضاءت شمعة في محراب الحق والعدالة.
مشاركة :