تجد أوروبا نفسها، عندما يتعلق الأمر بإنقاذ صفقة إيران النووية، في موضع محاولة إنقاذ اتفاق ينهار بسبب حملة العقوبات الأميركية القصوى، دون المخاطرة بمصالحها التجارية مع واشنطن والتي قد تتعرض للعقوبات أيضا. ومنذ أن سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق منذ أكثر من عام، بدأت التوترات تشتعل في إيران. وفي البداية، بدا أن المسؤولين الإيرانيين يعتقدون أنهم قد يكونون قادرين على انتظار انتهاء مدة رئاسة ترامب. وتحدثوا عن “الصبر الاستراتيجي” مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020. وتلاشى هذا الحديث مع بدء تنفيذ العقوبات الأميركية على مبيعات إيران من النفط الخام في الخارج ثم بدأت في استهداف الحرس الثوري شبه العسكري والمسؤولين بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وبعد فترة وجيزة، تحول الحديث إلى “عمل استراتيجي” وتوجيه تهديدات إلى مضيق هرمز، وهو مركز عالمي مهم لإمداد النفط. وقد أدى هذا الإجراء إلى كسر إيران الحد الذي فرضته على مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب بموجب اتفاقها النووي لعام 2015 مع القوى العالمية. وباتباع تلك الخطوات مجتمعة تكون إيران قد نقضت عهدها بموجب الاتفاقية، بل ويبدو أنها بدأت في صنع سلاح نووي محتمل، وهو ما تنفيه إيران لكنها تريد أن تمنع الاتفاقية الذرية. وبالنسبة لإيران، الأشخاص الوحيدون الذين يمكنهم الآن منع المزيد من التصعيد في الأزمة موجودون في أوروبا. وتواصل إيران استهداف أوروبا. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الاثنين إن “تصرفات الأوروبيين لم تكن كافية، لذا فإن الجمهورية الإسلامية ستمضي قدما في خططها كما أعلنت سابقا”. ولكن ما يمكن للأوروبيين تقديمه، إن وجد أي شيء، مازال موضع تساؤل. لقد أشاروا إلى “إينستكس”، أو آلية دعم التبادل التجاري، وهي وسيلة تجارية تسمح للشركات الأوروبية والإيرانية بإرسال البضائع إلى الخارج والدفع محليا لتجنب العقوبات الأميركية. ومع ذلك، تبقى الأسئلة ما إذا كانت إيران ستنشئ نظام مطابقة لتسهيل التجارة. ويقول الاتحاد الأوروبي من جانبه إن “إينستكس” تعمل الآن وأن معاملاتها الأولى تتم معالجتها. وبالنسبة لإيران، تظل القدرة على بيع النفط من خلال “إينستكس” مصدر قلقها الأكثر أهمية. ويبدو أن الولايات المتحدة مهيأة لفرض العقوبة على إينستكس إذا تحركت خارج حدود الغذاء والدواء، والتي لا تزال أميركا تسمح ببيعها إلى إيران.وحتى إذا كان الأمر كذلك، فليس هناك ما يشير إلى أن أي شركة كبرى ستكون على استعداد للمخاطرة بفرض عقوبات أميركية باسم الدبلوماسية الأوروبية، وهو أمر يبدو أن إدارة ترامب سعيدة بشأنه للغاية.
مشاركة :