يثير التعليق الجزئي للمساعدات من قبل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، مخاوف من تضرر آلاف الأسر اليمنية المعتمدة بشكل أساسي على العون الإغاثي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين (أنصار الله). وكان برنامج الأغذية العالمي، أعلن في 20 يونيو 2019، تعليق المساعدات الإغاثية المقدمة إلى العاصمة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تعتبر أكبر المدن اليمنية المزدحمة بالسكان. واتّخذ القرار بوصفه الحلّ الأخير بعد توقّف مفاوضات مطوّلة بشأن الاتفاق على إدخال ضوابط لمنع تحويل مسار الأغذية بعيدا عن الفئات الأشد احتياجا. وأفاد البرنامج بأنه لطالما كان يسعى للحصول على دعم من سلطات صنعاء من أجل إدخال نظام التسجيل البيومتري للمستفيدين (نظام البصمة البيولوجية) الذي كان سيحول دون التلاعب بالأغذية ويحمي الأسر اليمنية التي يخدمها البرنامج ويضمن وصول الغذاء إلى من هم في حاجة ماسّة إليه، لكن لسوء الحظ لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق. ويواجه الحوثيون اتهامات متكررة من قبل منظمات إغاثية دولية ومحلية بشأن بيع المساعدات في الأسواق وتحويلها لمن لا يستحقونها، إضافة إلى اتخاذ الجانب الإغاثي وسيلة لكسب مقاتلين جدد وإرسالهم للجبهات بعد منحهم مساعدات غذائية بشكل شهري. كما يشكو العديد من اليمنيين، بينهم موظفون في مؤسسات حكومية بصنعاء، من أنه يتم تسجيلهم في كشوفات بزعم منحهم مساعدات، فيما لم يحصلوا على شيء بعدها، أو يتم فقط منح البعض لفترات قصيرة وبشكل متقطع. ويقول ع . ج، وهو موظف في مؤسسة الثورة للصحافة بصنعاء (أكبر المؤسسات الإعلامية في اليمن)، إن هناك فسادا ملحوظا في الجانب الإغاثي يمارسه الحوثيون في المدينة الخاضعة لسيطرتهم للعام الخامس. وأضاف، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) مفضلا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن إدارة الموارد البشرية للمؤسسة الصحافية طلبت في وقت سابق صورا عن الهويات الشخصية للموظفين تحت مبرر تقديمها لبرنامج الغذاء العالمي من أجل منحهم مساعدات إغاثية كونهم لا يتسلمون مرتباتهم الحكومية منذ أكثر من ثلاثة أعوام.وأردف أنه “مع مطلع العام 2018، كان الحوثيون المسيطرون على الجانب الإغاثي، يمنحون مساعدات غذائية كل شهر وأحيانا كل شهرين، لخمسين موظفا فقط من المئات الذين تم تسجيلهم كمستحقين للعون، وهو ما يعادل أقل من 10 بالمئة ممن تم تسجيلهم ضمن مساعدات برنامج الغذاء العالمي”. وتابع “في ديسمبر 2018 قرروا صرف مساعدات لـ450 موظفا مرة واحدة فقط خلال العام. وفي الشهر ذاته تلقى الموظفون اتصالات من قبل برنامج الغذاء العالمي، لسؤالهم حول ما إذا كانوا قد تسلموا مساعداتهم خلال الشهر السابق (نوفمبر)، وأخبروا البرنامج الأممي بأنهم لم يتسلموا شيئا”. والشيء المفاجئ، حسب المصدر، أن برنامج الغذاء العالمي أخبر الموظفين حينها بأنه تم منحه كشوفات خاصة بهم تحمل بصماتهم وبأنهم قد تسلموا المساعدات، “بطريقة تكشف حجم الفساد المنتشر في الجانب الإغاثي الذي يتم تحويل مساره بعيدا عن المستحقين الحقيقيين”. على الجانب الشعبي، هناك الكثير من المواطنين يؤكدون رواية بيع المساعدات في الأسواق بالعاصمة صنعاء، بعد تحويل مسارها الصحيح، واستغلالها للتكسب المالي رغم أن الملايين من المواطنين باتوا بحاجة ماسة إلى العون. وتقول أم ميّ، وهي مواطنة يمنية في صنعاء، إنها لمست بشكل متكرر بيع المساعدات في العديد من أسواق العاصمة صنعاء، من دقيق وحليب وزيت طبخ وغير ذلك. وأضافت أن العديد من الأسر لم تتسلم نصيبها من المساعدات، بسبب الفساد المنتشر في هذا الجانب. وبيّنت أنها تعيش في العاصمة صنعاء منذ سنوات، ولم تحصل على أي مساعدات غذائية سوى مرة واحدة فقط عندما تم منحها كيلوغراما واحدا من التمر هي والعديد من الأسر المجاورة من قبل عاقل الحارة (المسؤول الاجتماعي في الحي) المحسوب على الحوثيين. وذكرت أن تعليق المساعدات سيكون له تأثير سلبي على بعض الأسر فقط، التي كانت بالفعل تتسلم هذه المواد الغذائية، فيما المتضررون الحقيقيون هم تجار هذه المواد والذين يستخدمونها من أجل التربح المادي وكسب الولاءات، في إشارة إلى الحوثيين. على الرغم من الاتهامات التي يواجهها الحوثيون بخصوص نهب المساعدات وعدم توزيعها على مستحقيها الأساسيين، هناك من يرى أن الآلاف من الأسر ستتضرر من قرار وقف المساعدات، لاسيما أن هناك أسرا تتسلم مساعدات، حتى وإن كان عددها قليلا مقارنة بكميات الإغاثة التي يتحول الكثير منها إلى مسارات أخرى. وترى عفاف الأبارة، الصحافية اليمنية المختصة بالشؤون الإنسانية، أن إعلان إيقاف المساعدات الإنسانية من قبل برنامج الأغذية العالمي، ستكون له آثار إنسانية كبيرة بعد أن أصبحت الآلاف من الأسر تعتمد بشكل كبير على المعونات التي يقدمها البرنامج وغيره من المنظمات الإغاثية لإنقاذها من الجوع والفقر اللذين خلفتهما الحرب داخل البلاد. وأضافت أن “قرار تعليق المساعدات غير صائب، كون القيادات الحوثية وغيرها لن يكونوا المتضررين في المقام الأول”، مشيرة إلى أن “من سيدفع الثمن هو الأسر الفقيرة والمحتاجة التي كانت تقتات من بعض ما يصل إليها من المساعدات”. ولفتت الأبارة إلى أن العبث بالمساعدات الإنسانية قائم منذُ العام الأول للحرب، حيث سبق أن حذر العشرات من النشطاء وبعض المنظمات العاملة في اليمن من هذا الأمر. وأردفت “بعد خمس سنوات من العبث يتم تعليق المساعدات.. كان الأحرى ببرنامج الغذاء العالمي أن يصل إلى أي حلول أو اتفاق وسط يضمن وصول المواد المنقذة للحياة إلى مستحقيها”.
مشاركة :