تبخر المناخ الإيجابي الذي رافق الجولات الخمس لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى بيروت منذ أشهر لإطلاق مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة، وغادر لبنان منذ يومين بأجواء سوداوية بعد زيارة استمرت ليوم التقى خلاله رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل. تراجع إسرائيل! وترافقت الأجواء السوداية التي غلّفت ملف الترسيم الحدودي برمّته مع معلومات متداولة في بيروت أفادت أن المسؤول الأميركي لم يحمل للمسؤولين اللبنانيين أي جديد، بل انه تلا على مسامعهم أفكاراً سبق أن أبلغوه رفض لبنان لها. وأشارت المعلومات إلى أن اسرائيل تراجعت عن كل ما وافقت عليه سابقاً ورفضت تلازم المسارين البحري والبري كما يُطالب لبنان، كما رفضت أي دور للأمم المتحدة من دون حضور المنسق الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش وحصر التفاوض بالاجتماع الثلاثي الشهري الذي يُعقد في الناقورة في مقر قوات الامم المتحدة في جنوب لبنان الذي يضمّ ضباطاً من الجيشين اللبناني والاسرائيلي برعاية ضباط من قوات "اليونيفيل" الدولية. مناطق التحفّظ وأوضح سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد لـ"العربية.نت" أن "إسرائيل وافقت على ترسيم الحدود البحرية من دون الحدود البرية وهذا ما رفضه لبنان الذي يتمسّك بتلازم المسارين البري والبحري، أي النقاط الـ13 (توصف بـ"مناطق التحفّظ" وتمتدّ على مسافة 114 كلم، وهي على طول الخط الأزرق الممتدّ من منطقة شبعا حتى الناقورة) التي لا تزال عالقة بين البلدين". المهمة الأخيرة! ويستعد لبنان لبدء التنقيب عن النفط والغاز نهاية العام ولإطلاق مرحلة ثانية من المناقصات قد تشارك فيها شركات اميركية. لكن مع "فشل" مهمة ساترفيلد، هل تكون زيارته الاخيرة لبيروت وتل ابيب كوسيط بعد موافقة الكونغرس الاميركي على تعيينه سفيراً في تركيا فيُسلّم الملف لخلفه في المنصب دايفد شنكر؟ أم يواصل مساعيه قبل ان يلتحق ببعثة بلاده في انقرة؟ بصمات تطورات المنطقة! وفي حين عزا مطلعون التراجع الإسرائيلي عن ما وافقت عليه سابقاً وبالتالي فشل مهمة ساترفيلد الى التطورات الاسرائيلية الداخلية والصراع السياسي عشية الانتخابات التشريعية، اعتبر البعض ان الكباش الاميركي-الايراني في المنطقة له بصماته في تبديل موقف تل ابيب التي تراهن على تغيّر موازين القوى ومنحها اوراق قوة اضافية في المفاوضات اذا ما تعرّضت ايران لضربة عسكرية. واستبعد السفير شديد ترابط هذه التطورات الإقليمية بمسار المفاوضات، لأن أميركا ترغب بأن تكون وسيطاً لحلّ النزاع الحدودي بين لبنان واسرائيل، وبدت الامور ايجابية قبل ان يعود اخيراً بأجواء سلبية من الجانب الاسرائيلي، وعلينا الانتظار اذا ما كان ساترفيلد سيعود الى لبنان مجدداً قبل الالتحاق ببعثة بلاده الى انقرة، وهذا اذا حصل فمعناه ان الاجواء الايجابية ستعود وتُخيّم على مسار المفاوضات". وطالبت تل أبيب بتحديد سقف زمني للمفاوضات مدته ستة اشهر رفضته بيروت مشددةّ على ان تبقى المفاوضات مفتوحة إلى حين الاتّفاق على النقاط الخلافية. ارتباك لبناني واعتبر المحلل الاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر لـ"العربية.نت" أن "إسرائيل كانت مستعجلة على التفاوض، لانها علمت منذ اكثر من ثلاث سنوات بوجود حوض غاز كبير قريب جداً من الخط الذي يفصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة مع لبنان، والشركات العالمية التي تنقّب على الغاز الحّت عليها السماح لها ببدء التنقيب في هذه المنقطة، لذلك وافقت على التفاوض بوساطة أميركية". وفي حين اعتبر عبد القادر "أن لبنان حقق مكسباً مهماً في هذا الملف "بإقناع" اسرائيل بخيار التفاوض"، إلا أنه أسف في المقابل "لاننا دائماً نفوّت الفرص، ونُدخل لعبة المزايدات السياسية في ملفات حسّاسة واستراتيجية كهذه"، واشار الى "ان الموقف اللبناني كان ولايزال مرتبكاً في هذا المجال، خصوصاً ان هناك اكثر من طرف لبناني يريد تسلّم هذا الملف، في وقت كان يجب حصر التفاوض مع ساترفيلد بمرجعية لبنانية واحدة تتولى نقل الموقف الرسمي اليه بتفويض مباشر من الحكومة اللبنانية".
مشاركة :