يشهد العالم منذ 2008 تحديات غير مسبوقة في التجارة كما تشير تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التسويات الدولي. ضعف زخم التجارة جعل الاقتصاد العالمي يسير وفق مسارات ضعيفة؛ لذا قامت البنوك المركزية في الدول المتقدمة بخفض سعر الفائدة بشكل متكرر؛ لتحفيز نمو أسواقها، وعلى الرغم من كل تلك المحاولات لم يعاود الاقتصاد العالمي نموه بالدرجة الكافية؛ ثم إن البنوك المركزية ستعود مرة أخرى إلى خفض سعر الفائدة كما ألمح الفيدرالي الأمريكي بذلك أخيرا. سأحاول اليوم الإجابة عن، كيف نجحنا في ظل كل تداعيات توتر العلاقة التجارية بين الصين وأمريكا وضعف معدل النمو العالمي وأسعار الفائدة المنخفضة في الاقتصادات المتقدمة؟ وكيف استفدنا من تلك الظروف المواتية لضمان تدفق النقد الأجنبي إلى الاقتصاد السعودي عن طريقي النفط والسندات؟ كانت قرارات الرئيس ترمب الاقتصادية مثيرة للقلق عندما حاول خفض عجز الميزان التجاري عن طريق فرض رسوم جمركية بلغت 200 مليار دولار على الواردات الصينية؛ نتيجة لذلك تراجع العجز من 375.5 مليار دولار في عام 2018 إلى 80 مليار دولار في عام 2019؛ ما قام به ترمب نظريا يستهدف تحقيق مكاسب مالية قصيرة وقد نجح في خفض العجز إلى أكثر من 50 في المائة؛ وهذا يمثل نجاحا كبيرا لترمب، إضافة إلى أنه استفاد من قراراته لكشف كيف تسير الأمور في ظل الحمائية الأمريكية القاسية، وقد يكون ما قام به بالون اختبار لكشف عمق تأثير الصين في أمريكا؛ أعتقد شخصيا أن ترمب نجح في قياس ردة فعل السياسة الصينية بأدوات اقتصادية بحتة. وبالفعل كشف قرار ترمب كيف أن المصنع الأمريكي للرقائق الإلكترونية والمستخدمة في الأجهزة الذكية الصينية والكمبيوترات المصنعة في الصين لم يكن جاهزا لخسارة تلك العقود الضخمة مع الصين؛ لذا توقف ترمب عن فرض رسوم إضافية على الصين كما أعلن ذلك في مدينة أوساكا اليابانية أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين. بالعودة إلى الوضع العالمي للتجارة وكيف تعامل اقتصادنا الوطني معه، أعتقد أننا ما زلنا نحقق نجاحات استثنائية للاقتصاد السعودي من خلال بناء أسواق دين سيادية بسبب تراجع أسعار الفائدة، كما نجحنا في مواصلة إدارة سعر النفط من خلال "أوبك" وروسيا بصفتها المنافس الأكبر لنا. أثبتت سياسات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ملف الطاقة والبتروكيماويات نجاحها القياسي من خلال عقد اتفاقيات مع الصين وكوريا واليابان؛ وحققنا نتائج مميزة على الرغم من ظروف النمو العالمي الذي لا يتجاوز 3.3 في المائة، ونجحنا أيضا في إدارة الطاقة من خلال السياسة؛ وهذا جنب اقتصادنا تداعيات توتر التجارة بين الصين وأمريكا وتشديد الائتمان في الصين وانخفاض سعر الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، بل استفدنا من انخفاض أسعار الفائدة وبعنا سندات بالدولار واليورو لتنويع مصادر النقد الأجنبي.
مشاركة :