عبر رئيس الحكومة سعد الحريري عن استيائه من التصعيد في الخطابات السياسية عبر مقدمة نشرة تلفزيون "المستقبل" الإخبارية مساء أمس في ظل تخوفه من انعكاس المزيد من التأزيم السياسي الذي تبع أحداث الجبل الأحد الماضي، وقالت مصادر قيادية في "تيار المستقبل" ل"الحياة" ليلا إن الحريري "لن يقف مكتوف اليدين حيال أي توجه لتعطيل انعقاد مجلس الوزراء مهما كانت الأسباب". وفيما غادر الحريري بيروت أمس في زيارة لمدة 48 ساعة، حمل تلفزيون "المستقبل" على "موجات الردح والقدح والسجال السياسي التي تطرق آذان اللبنانيين"، مؤكدا "أن العصفورية السياسيةً اللبنانية في اسوأ تجلياتها. إن استحضار خطاب الإنقسام والعصبيات وفرز المكونات اللبنانية بين مكون آدمي وبين مكون أزعر، يستحق وسام الجنون السياسي عن جدارة واستحقاق". واعتادت قيادة "المستقبل" في الأشهر الماضية التعبير عن المناخ السياسي للحريري عبر مقدمة المحطة التلفزيونية الناطقة باسم تياره. وجاء في مقدمة المحطة التلفزيونية: "بدل التداعي لوقف مسلسل التصعيد الكلامي، والعمل على توسيع رقعة التهدئة وضبط الفلتان السياسي، شهدت الساعات الماضية مباراة عنيفة بالمصارعة الخطابية، من شأنها ان تضع اكثر من علامة استفهام على نوايا الكثيرين تجاه معالجة الاحداث الأمنية الاخيرة وتداعياتها السياسية". وسألت: "هل المقصود استدراج البلاد الى مأزق أمني، يعيدنا الى مناخات الانقسام الاهلي والتقاتل الداخلي؟ أم المقصود شل العمل الحكومي وتعطيل انطلاقة الدولة نحو البرنامج الموعود للاستثمار الاقتصادي والانمائي؟ ام ان هناك من يجد الفرصة سانحة للانقضاض على التسوية السياسية، واعادة عقارب الساعة الى الوراء"؟ وأكدت ان الناس في واد وبعض القيادات السياسية في واد آخر، والكلام العالي الذي يصم الآذان، يحجب عن اللبنانيين صوت العقل والحكمة، لتحل مكانه ابواق الاحتقان وتأليب النفوس على تعميم الكراهية بين ابناء الشعب الواحد والملة الواحدة". ورأت أن الحريري "بقي يعزف على أوتار التهدئة، من دون أن يخفي انزعاجه الشديد من مواصلة الشحن بكل الاتجاهات، وتحذيره من مخاطر الاستمرار في الخطاب السياسي العشوائي وارتداداته الخطيرة على الشأن الاقتصادي". وأوضحت مصادر قيادية في تيار "المستقبل" أن مقدمة المحطة التلفزيونية تعكس "انزعاج الحريري من تصعيد الخطاب السياسي ، واعادة الفرز بين المكونات السياسية على قاعدة وجود مكونات للسلم ومكونات للحرب، وما يترتب على ذلك من مخاطر على الوضع الاقتصادي والمالي . وحذرت مصادر المستقبل من استمرار الشحن السياسي "وارتداداته على العمل الحكومي، مؤكدة ان الرئيس الحريري يتجه لحسم الموقف من انعقاد مجلس الوزراء خلال الاسبوع المقبل ، وهو لن يقف مكتوف اليدين حيال اي توجه من شأنه تعطيل انعقاد المجلس مهما كانت الاسباب". وتقول المصادر ل"الحياة" إن الرئيس الحريري يرى ضرورة فك الاشتباك بين الازمة الناشئة عن حوادث عاليه وبين عمل مجلس الوزراء وما يتعلق بموجبات التصدي للمأزق الاقتصادي ومعالجة التداعيات المترتبة على التصنيفات الدولية (للوضعين المالي والاقتصادي للبنان) المرتقبة في غضون الشهرين المقبلين". وتلاحظ المصادر انه "من غير الممكن مواجهة الاستحقاقات المالية والاقتصادية الماثلة في ظل ازمات سياسية مفتوحة ، تجعل من عمل مجلس الوزراء عملاً موسمياً". اجتماع مجلس الوزراء إلا أن مصادر سياسية مراقبة اعتبرت أن ما جاء في مقدمة تلفزيون "المستقبل" يقصد به الخطاب العالي النبرة للوزير باسيل في طرابلس وعكار وخطاب حليفه النائب طلال أرسلان في تشييع ضحيتي حزبه جراء أحداث الشحار الغربي. وعلمت "الحياة" أن اتصالات تجري من أجل التوافق على عقد جلسة للحكومة يوم الخميس المقبل، لكنها لم تفلح حتى الأمس في إيجاد مخرج يجنب الحكومة الانقسام في ظل الخلاف المتصاعد على مطلب أرسلان و"التيار الحر" أن تتخذ الحكومة قرار إحالة أحداث الجبل الأمنية على المجلس العدلي. وتفيد المصادر أنه على رغم أن المواقف الصادرة حتى الآن لا تنبئ بأن هناك أكثرية لمصلحة هذا الخيار، فإنه لا بد من السعي إلى انعقاد الجلسة بالتوافق، من دون إضافة شرخ جديد يعيق عمل الحكومة. وقالت مصادر متابعة ل"الحياة" إن عدد الوزراء المؤيدين لاتخاذ قرار بإحالة القضية إلى المجلس العدلي هو 11 وزيرا يمثلون "التيار الحر" وحلفاءه، بمن فيهم الوزير صالح الغريب، ووزراء "حزب الله" الثلاثة، ما يعني أن الأمر يحتاج في حال التصويت على الأمر إلى انضمام وزيرين إضافيين للموافقة على هذه الإحالة كي تحصد الأكثرية (16 من أصل 30 وزير). وتحدث بعض الأوساط عن أن "حزب الله" قد يطلب من حليفه ممثل "تيار المردة" يوسف فنيانوس الانضمام إلى هذا الخيار، لكن تأمين موافقة الوزير الإضافي تتطلب إقناع رئيس البرلمان نبيه بري بالأمر، في وقت أشارت المعلومات إلى أن بري اتفق مع الحريري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط خلال اجتماعه بهما الأربعاء الماضي على استبعاد هذا التوجه، وأن بري أبلغ الوزير الغريب بأن مسألة الإحالة على المجلس العدلي ينظر بها بعد أن تتقدم التحقيقات وتعرض المعطيات على مجلس الوزراء ليقرر في ضوئها الموافقة على الإحالة أو عدمها. كما نقلت مصادر نيابية عن بري قوله إن الإحالة على المجلس العدلي ليست بالضرورة السبيل الأفضل للوصول إلى نتيجة مذكرا بأنه مضت أكثر من 30 سنة على إحالة قضية تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه على المجلس العدلي من دون التوصل إلى نتيجة حتى الآن. وقالت مصادر أخرى أن وزيري "الحزب التقدمي الاشتراكي" قد يستقيلان من الحكومة في حال سلوك طريق المجلس العدلي نظرا إلى عدم ثقة الحزب بنفوذ "التيار الحر" على القضاء هذه الأيام. لكنها ترى أن الحديث عن خطوات من هذا النوع سابق لأوانه، على رغم أنه إذا صح هذا التوجه فإنه يعني إسقاط الصفة الميثاقية عن الحكومة بخروج ممثلي أحد مكوناتها الرئيسيين، وهذا يدخل البلاد في أزمة من نوع جديد. وبعيدا من هذه التوقعات تلفت مصادر تيار "المستقبل" إلى أن دعوة الحريري إلى "فك الاشتباك بين الازمة الناشئة عن حوادث عاليه وبين عمل مجلس الوزراء"، هي الصيغة التي يجري العمل عليها، لأن انعقاد مجلس الوزراء يتطلب في الأساس توافقا بين الأطراف على المسائل التي سيبت فيها، ما يعني استبعاد التصويت. وذكرت المصادر أن هناك حاجة ملحة لاجتماع الحكومة في قابل الأيام إذا كان الرئيس بري سيدعو الهيئة العامة للبرلمان لمناقشة وإقرار الموازنة، المتأخرة أصلا في وقت يراقب المجتمع الدولي إداء المؤسسات اللبنانية في هذا الشأن وسط تشكيك بقدرة هذه المؤسسات بالوفاء بالتزاماتها في شأن خفض العجز والإصلاحات، التي عليها يتوقف صرف أموال مؤتمر "سيدر" للبرنامج الاستثماري. وأكدت مصادر نيابية أن لجنة المال والموازنة علقت عددا من مواد مشروع الموازنة في شكل يؤدي إلى خفض الواردات للخزينة، بقيمة 600 إلى 700 بليون ليرة لبنانية، ما يعني ارتفاع مبالغ الإنفاق، الأمر الذي يتطلب قانونيا موافقة الحكومة على أرقامها الجديدة خصوصا إذا كانت هناك زيادة في النفقات، أو إقرار مداخيل بديلة منها. وبالتالي فإن انعقاد مجلس الوزراء يصبح مسألة ملحة.
مشاركة :