ضجت شبكات التواصل الاجتماعي في داخل دولة الاحتلال الصهيوني في الأيام الأخيرة بسيل جارف من المنشورات والتعليقات التي تعج بالعنصرية والإساءات القاسية ضد باقي مكونات المجتمع، لاسيما من الطبقة الجديدة،الذين يتهمون عناصر اليسار بالوقوف خلف هذه المظاهرات،وهي ذاتها التهمة التي وجهها اليمين لمظاهرات الدروز احتجاجا على قانون القومية اليهودية، ومظاهرات المعاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة… أصبح المجتمع الصهيوني لايفكر الواحد بالآخر،الشرطي الإشكينازي ليس مستعدا لتفهم معاناة اليهودي الأثيوبي،بل يخاف منه وحين يخاف يمتشق سلاحه،ويطلق النار عليه، وحين لا يفهم السائق اليهودي الاشكينازي أسباب إغلاق المتظاهرين الأثيوبيين للطرق العامة يمضي مسرعاً،ويدعسهم على مرأى ومسمع من الجميع (يهودا شوخات،يديعوت احرونوت).. الصهيونية جوهرها عنصري،هذا الأمر ليس جديداً بل معروفا منذ إنشاء دولة الصهاينة على أرض فلسطين عام (١٩٤٨).. في عام ١٩٧٥ اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار (٣٣٧٩) والذي وصفت فيه”الصهيونية أنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، صوتت أغلب دول العالم في ذلك الوقت على مضمون هذا القرار، ولم يكن فيه تجنياً على طبيعة الحركة الصهيونية كحركة استعمارية، تعتمد الدين والعرق كأداة من أدوات التمييز العنصري ضد بني البشر،وذلك في مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية،ومع أن القرار قد تم الغاؤه عام ١٩٩١ بإصرار الصهاينة على الغائه، مقابل مشاركتهم في مؤتمر مدريد للسلام، ذلك المؤتمر الذي لم يحقق سلاماً ولا استقراراً، بل مزيداً من الاعتداءات الصهيونية على الآرض والمقدسات والحقوق الفلسطينية، إلا أن حقيقة دولة الكيان مازالت هي، كما كانت لحظة اتخاذ القرار، أي أنها دولة عنصرية معادية للسلام، واليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين حيث قُبرت العنصرية والتمييز العنصري والأبارتهايد في نهاية القرن الماضي، في كل من دولتي الأبرتهايد والتمييز العنصري في جنوب افريقيا وروديسيا (زيمبابوي) برزت مظاهر العنصرية والفاشية في دولة الاحتلال أكثر من أي وقت مضى،من خلال ممارساتها بإقرار قانون القومية والتميز العنصري ضد المواطنين العرب السكان الأصليين للبلاد، وبرز تمييزاً لافتاً ضد المهاجرين اليهود الأفارقة (الأثيوبيين) وكذلك تتجلى العنصرية في كثير من الأماكن والأعمال ضد اليهود المنحدرين من أصول عربية أو شرقية،حيث اضطرت البعض منهم لتغيير اسم عائلته لاسم إشكنازي خزري حتى يتجنب التمييز ضده…. لم تكن هذه المرة الأولى التي تُنتهك فيها حقوق المهاجرين الأثيوبيين إلى كيان الصهاينة بل أن تلك الممارسات مستمرة منذ جلبتهم من بلدهم الأصلي الوكالة اليهودية عام ١٩٧٣ في محاولة منها للتقليل مما أُطلق عليه الخطر الديمغرافي الفلسطيني ومن ثم تتالت موجات هجرتهم المنظمة من قبل الوكالة اليهودية وأصبح عددهم اليوم يفوق ١٤٨ألف نسمة ٤١٪منهم مولودون في كيان الصهاينة والباقي مولودون في وطنهم الأصلي أثيوبيا،في عام ١٩٩٦ أثيرت فضيحة في داخل دولة إسرائيل حيث قام بنك الدم بإلقاء دم الأثيوبيين المتبرعين في القمامة باعتباره دماً نجساً وبرر البنك تصرفه ذاك بعد موجة احتجاجات أثيوبية بأن البنك خشيَ أن يكون الدم ملوثاً بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) وفي عام ٢٠٠٨ ظهرت فضيحة عنصرية جديدة حيث تم حقن سيدة أثيوبية تدعى”ديبو بروبرا” بحقنة لمنع الحمل وتبين أن وراء ذلك سياسة عنصرية هدفها تقليل الأثيوبيين قدر الإمكان… يطلق البعض على ما يحدث من انتفاضة للأثيوبيين ضد الأشكناز الخزر(المنحدرين من دول وسط أوروبا وشرقها) وهم الذين يمثلون النسبة الأعلى من يهود العالم وكان أجدادهم قد اعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي ولايمتون بأي صلة عرقية ليهود الشرق، ولا للسامية، فهم ينحدرون من العرق التركي التتري، وبحسب سفر التكوين الإصحاح العاشر “بنو يافث: جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس3 وبنو جومر: أشكناز وريفاث وتوجرمة”.(تك:١٠) وكانت لهؤلاء دولة بين البحر الأسود وقزوين (الخزر) وأطلق عليها امبراطورية الخزر وشملت أجزاء من جنوب روسيا وشبه جزيرة القرم. مصطلح الحرب الأهلية في إسرائيل، الذي يردده البعض بسذاجة،باعتقادي مصطلح غير موفق وغير دقيق والصحيح أنها حرب شوارع عنصرية صهيونية بين أعراق وقوميات وألوان بشرة مختلفة،فهم لبعضهم ليسوا أهلاً،بل مجرد تجمع لأفراد من بقاع مختلفة من العالم، بهدف استعماري ذو طابع ديني ليس إلا… الصحفي الصهيوني (إيدي كوهين) ذهب بهذا الاتجاه من وصفه للأحداث فقد كتب تعليقاً حول انتفاضة الأثيوبيين على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قال فيه “أشعر بالقلق إزاء أعمال الشغب،التي يقوم بها الزنوج الأثيوبيون،في إسرائيل، نحن شعب الله المختار،وهم ليسوا إلا عبيداً جلبناهم لخدمتنا،فإن لم تتوقف الكلاب الضالة،عن النباح ينبغي علينا ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي حفاظاً على أمن دولة إسرائيل”. هكذا هم بنظره،زنوج وكلاب ضالة وعبيد، ويجب أن يعودوا لوطنهم الأصلي… في الحقيقة وبحسب نص سفر استير (عشتار) الإصحاح الثامن فإن يهود أثيوبيا أحق بالانتساب لليهودية وأقدم من يهود الخزر الأشكيناز، فأجداد الفلاشا الاثيوبيين اعتنقوا اليهودية في القرن الرابع قبل الميلاد بينما الخزر الاشكيناز اعتنقوها في القرن الثامن الميلادي،حيث جاء في السفر المذكور:”وكتب حسب كل ما أمر به مردخاي الى اليهود والى المرازبة والولاة ورؤساء البلدان التي من الهند الى كوش مئة وسبع وعشرين كورة إلى كل كورة بكتابتها وكل شعب بلسانه والى اليهود بكتابتهم ولسانهم. 10 فكتب باسم الملك احشويروش وختم بخاتم الملك وأرسل رسائل بأيدي بريد الخيل ركاب الجياد والبغال بني الرمك 11 التي بها أعطى الملك اليهود في مدينة فمدينة أن يجتمعوا ويقفوا لأجل أنفسهم ويهلكوا ويقتلوا ويبيدوا قوة كل شعب وكورة تضادهم حتى الأطفال والنساء، وإن يسلبوا غنيمتهم،12 في يوم واحد في كل كور الملك أحشويروش في الثالث عشر من الشهر الثاني عشر أي شهر آذار. 13 صورة الكتابة المعطاة سنة في كل البلدان أشهرت على جميع الشعوب أن يكون اليهود مستعدين لهذا اليوم لينتقموا من أعدائهم. 14 فخرج البريد ركاب الجياد والبغال وأمر الملك يحثهم ويعجلهم وأعطي الأمر في شوشن القصر 15 وخرج مردخاي من أمام الملك بلباس ملكي اسمانجوني وأبيض وتاج عظيم من ذهب وحلة من بز وأرجو أن،وكانت مدينة شوشن متهللة وفرحة 16 وكان لليهود نور وفرح وبهجة وكرامة. 17 وفي كل بلاد ومدينة كل مكان وصل إليه كلام الملك وأمره كان فرح وبهجة عند اليهود وولائم ويوم طيب،وكثيرون من شعوب الأرض تهودوا لأن رعب اليهود وقع عليهم” (استير :٨) نص السفر واضح أن كثيرا من الشعوب اعتنقت اليهودية في زمن أحشويرش الفارسي في المنطقة الممتدة من الهند إلى الحبشة. إن الذي حول اليهودية إلى قومية هم يهود الاشكيناز الخزر وهم قومية حقيقةً لا سامية بل يافتية، ولايمتون بصلة ليهود فلسطين القدماء،ولغتهم الأم خليط ألمانية مع لغات أخرى شرق أوروبية. في عنف الأحداث،طلب البعض من النشطاء الأثيوبيين في كيان الصهاينة من الفلسطينيين الانضمام لاحتجاجاتهم حيث حسب رأيهم الفلسطينيين يعانون نفس المعاناة العنصرية من قبل الصهاينة، وهذا صحيح، وقد أثنى بعض الفلسطينيين على الفكرة،لكن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين لا تميز بين أثيوبي وأشكنازي،كلهم بنظر الفلسطيني صهاينة محتلون للأرض،واليهودي الصهيوني الجيد هو ذاك الذي يعود إلى بلاده كي يعود الفلسطينيون إلى بلادهم تطبيقاً للقرار ١٩٤ الصادر عن الجمعية العامة، هذه هي المعادلة، كلهم صهاينة محتلين ولا فرق. إلى أين ستقود هذه الأحداث ذات الطابع العنصري؟ لاأحد يعلم فهي ليست الأولى لكنها الأعنف،بحسب ظني ستتم السيطرة عليها أجلاً أم عاجلاً، لكنها تمثل أزمة وجودية لكيان الصهاينة في فلسطين، فالتمييز العنصري يضرب بعمق في هذه الدولة التي يُغذيها الغرب كي تبقى وتستمر لما تقدمه من فوائد أمنية واستراتيجية له، لكن وكما انهار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سينهار النظام الصهيوني العنصري أيضاً ويتفكك ، الفكرة الصهيونية فكرة مناقضة للطبيعة وتحمل في داخلها بذور فنائها لما تحمله من تناقضات قومية ووثنية ودينية،تلك حتمية التاريخ وإن طال الزمن….*مفكر وباحث عربي فلسطيني
مشاركة :