أوين غلايبرمان ناقد سينمائي تلعب هيلين ميرين دور امرأة يهودية استولى النازيون على لوحة مشهورة تعود لعائلتها. هل يقدم الفيلم عرضا يتسم بالعاطفية أم بالموضوعية؟ الناقد السينمائي أوين غلايبرمان يعرض رؤيته النقدية لذلك الفيلم. غالبا ما يقال، وذلك صحيح، إن اختيار الممثلات لأداء أدوار سينمائية يصبح محدودا بشكل متزايد مع بلوغهن عمرا معينا، مثل سن الأربعين. لكنك لن تفكر في ذلك أبداً عندما تظهر الممثلة هيلين ميرين على الشاشة. ستبلغ ميرين عقدها السابع في شهر يوليو/تموز القادم، ومثل زميلتها العظيمة ميريل ستريب (التي تبلغ 65 عاماً)، فقد جابهت وجهاً لوجه ممارسات التضييق المتحيزة ضد المرأة في صناعة السينما. إنها تجابه كل دور، مهما كان ثانوياً، وكأنه دور سيستمر لكل الأعمار. فعندما كانت ستريب تلوح في الأفق بإطلاق العنان لأدوارها، بعد أن أدت دوراً مبهجاً لشخصية مارغريت تاتشر و جوليا تشايلد، ودور الساحرة في فيلم في الغابات، لم تكن ميرين تحصل على التقدير الكافي، سواء بعد لعب دور المحتشمة، والداهية في نفس الوقت في فيلم اليزابيث الثانية، في دور ملكة بريطانيا، أو بعد دور القاتلة ذات الوجه الجامد في سلسة أفلام الأحمر. أما في فيلم العام الماضي الذي لاقى نجاحاً باهراً رحلة المئة قدم، فقد تقمّصت فيه ميرين دور صاحبة مطعم فرنسي مخضرمة لم يكن باستطاعتها أن تتقبل فكرة منافسة مطعم هندي لها في نفس الشارع. عندما شاهدت ذلك الأداء، قلت في نفسي: إذا لم تنتبه ميرين لحالها، فقد ينتهي بها المطاف إلى تحولها إلى أرملة غنية ذات شخصية صعبة، لكن محبوبة، مثل جودي دينتش، العشيقة التي تظهر بشكل فكاهي. لم يكن هناك داعٍ لكي أقلق. في فيلم إمرأة من ذهب، وهي دراما تاريخية منعشة أخرجها سايمون كيرتس (مخرج فيلم أسبوعي مع مارلين)، تتحدث ميرين بلكنة نمساوية قوية وهي تلعب دور امرأة مشاكسة، متجبرة، جريئة، طروب، إضافة إلى الكثير من الصفات الأخرى. لا تستطيع النيل منها! وهذا ما يجعلك تقول إن الشخصية، في بدايتها، تبدو وكأنها تتبع وصفة من كتاب للطبخ لإرضاء شهية بعض عشاق السينما. تظهر دوماً وهي تراوغ بأسلوب محبوب جداً. إلا أن الفيلم يظهر دهاءً أكثر مما تتصور، وينطبق هذا على أداء ميرين أيضاً. تقوم ميرين بأداء دور ماريا ألتمان، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية لليهود، اللاتي خلقن لأنفسهن حياة هادئة في لوس أنجليس، حيث تدير محلاً لبيع الملابس النسائية. في أواسط تسعينيات القرن المنصرم، عندما تغيرت قوانين التعويض النمساوية، علمت ماريا أنها قد تكون المالك الشرعي لعدة لوحات رسمها الفنان غوستاف كليمت، وخاصة لوحته المرسومة عام 1907 لخالتها، أديل بلوك-باور وهي لوحة مرصعة بالذهب. كانت تلك اللوحة قد عُلّقت على أحد الجدران بمنزل عائلة ماريا اليهودية الثرية. ولكن قبل بدء الحرب العالمية الثانية، استولى عليها النازيون الذين نهبوا بيت ماريا، واعتقلوا ثم قتلوا أقاربها. في تلك الأثناء، هربت مع خطيبها، مغني الأوبرا، إلى الولايات المتحدة الأمريكية. تؤدي الممثلة هيلين ميرين (في الصورة) دور ماريا ألتمان، إحدى الناجيات من الإبادة الجماعية لليهود وضع ذلك الفيلم في إطار لتدور أحداثه وسط توتر شديد داخل قاعات المحاكم. القصة التي حاكها ديفيد وغولياث ينبغي فيها التغلب على عملاق أضخم من مجرد شركة كبرى أو وكالة استخباراتية، وهي الحكومة النمساوية بأكملها. وهي الحكومة التي تعتبر لوحة كليمت جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للأمة: ليس أقل من لوحة موناليزا نمساوية. في كل يوم يمر، تجذب اللوحة إليها حشوداً من أناس يحدقون بها في متحف بيلفيدير في فيينا. تُرى، هل تستطيع ماريا أن تختطفها من يد النمساويين؟ ولماذا، بالضبط، تريد أن تقوم بذلك؟ أفضل من الخيال إن أقوى العناصر في ذلك الفيلم هو إدراكه الخصب للصورة الأعمّ والأشمل. فمع أن ثمن اللوحة يُقدّر بنحو 100 مليون دولار أمريكي، إلا أن ماريا لا تسعى وراء المال بشكل أساسي، كما في الفيلم. وإذا ما ربحت ماريا القضية، فليست لديها أية نية لتعليق لوحة للفنان كليمت على أحد جدران صالون منزلها. إنها تريد استعادة شيء ’يعود‘ لعائلتها – ولكن في نفس الوقت يعود للعالم أجمع، وليس فقط للنمساويين، الذين بمطالبتهم باللوحة (حسب الفيلم) يبينون تواطؤا نشطاً مع النازيين الذين سرقوها في المقام الأول. إن ذلك الفيلم يعد فيلما مثيرا بأحداثه، وهو في حقيقته دراسة للإرث الخفي لممارسة التواطؤ. وعند البحث عن شخص يمكن الوثوق به، تنتقي ماريا محامياً قليل التجربة يعمل في شركة محاماة في لوس أنجليس، وهو راندول شوينبيرغ (يقوم بدوره الفنان رايان رينولدز). وقع اختيارها عليه لأنه ابن رجل تعرفه معرفة شخصية – ولأنه أيضاً حفيد أرنولد شوينبيرغ، المؤلف الموسيقي المستنير، الذي كان صديقاً لعائلتها. وبما أن الفيلم يصور قصية حقيقية، فإنه لا يحتاج لتجميل الحقائق، مع أن الكثير من الأفلام المشابهة تقوم بذلك بالضبط. إذ يقدر مخرج الفيلم، سايمون كيرتس، وكاتب السيناريو، أليكسي كاي كامبل، ذكاء جمهور المتفرجين، وذلك بتفاديهما للمراوغات والخدع الميلودرامية. عندما تزور ماريا مع راندول النمسا لرفع دعواها القضائية، تبرز الدراما التفاصيل البيروقراطية المرتبطة بمثل ذلك النزاع القانوني. مثلاً، يكتشف راندول وجود وصيتين منفصلتين، وقد ظهر أن وصية منهما ليس لها سند قانوني، بينما تدل الثانية على الوريث الشرعي. أداءٌ ذهبي تمثل ميرين دور ماريا باعتبارها امرأة قوية ومتّسمة بالواقعية بشكل لا يقاوم، وخاصة عندما تنهي بسرعة جملة تقول فيها أنا ذاهبة إلى ’بيلفدير‘ لأزور خالتي. فالبطاقة البريدية غير منصفة بحقها!. وفي نفس الوقت، فإنها تولد إحساساً بأن الفيلم مسكونٌ من الماضي. إن أكثر مشاهدها البليغة في التمثيل هي عندما لا تنطق بأية كلمة، عندما تستعمل عينيها اللامعتين لترينا كيف كانت ذكريات ماريا عن النازيين جرحاً نازفاً لن يلتئم أبداً، لأنها لن تسمح بذلك. يصور الفيلم لمخرجه، سايمون كيرتس، قصية حقيقية، وهو يقدر فيها ذكاء الجمهور ويتجنب الحيل الدرامية المعهودة ويُظهر الفيلم مشاهد عديدة من ذكريات الماضي عن هجوم النازيين على منزل عائلة ماريا. وفي حين كان يمكن لهذه المشاهد أن تكون رتيبة بوحشيتها، إلا أن كيرتس يجعلها تبدو وكأنها حصلت الآن، ويمتزج فيها الخوف مع إحساس بعدم واقعيتها. لعل رايان رينولدز كان آخر ممثل في العالم يخطر ببالي ليقوم بدور حفيد أرنولد شوينبيرغ. لكنه ممثل محبوب تنجذب إليه بقوة، كما أنه يلقي الضوء على شخصية راندول وسرعة بديهته، وهو بذلك يقوم بدور جيد في حضور جاذبية ووقار ميرين. لم استوعب قطّ تفاني راندول في قضية تتوالى وقائعها لتطول لنحو عقد من الزمن. بل إنك لا تحتاج إلى ذلك لكي يؤدي الفيلم غرضه. وتمكن رايان من أن يصور بشكل مقنع عقلية محامٍ يعمل بضمير، وهو الأداة اللازمة لدراما حقيقية تدور أحداثها في قاعة المحكمة. في فيلم امرأة من ذهب، تأخذ الأخلاقيات أماكنها بدقة متناهية، في حين يشكل عنصر التشويق- فيما إذا كانت ماريا ستفوز بالقضية أم لا- نصف الحكاية. يتناول الفيلم موضوعاً حاول جورج كلووني أن يعالجه في فيلم رجال الآثار ولكنه فشل– وبالتحديد، فيما يتعلق بقصد النازيين بالضبط من سرقة الأعمال الفنية، عدا كون ذلك لصوصية بشعة. إن لوحة كليمت المعنية هي الوسيلة المثالية لذلك النوع من التأمل، لأنه عمل فني يمتاز بعمق العواطف وسحرها. إنها قطعة فنية تفيض حيوية. ولسرقة عمل فني مثل هذا، يتطلب الأمر أكثر من مجرد سرقة شيء ما – إنها سرقة للهوية، وهي جريمة مماثلة لما ارتكبه النازيون من جرائم دموية. ولكي تحافظ أمّة على تلك السرقة، بمعناها الحقيقي، عليها أن تواصل تجاهل وإنكار الشر الذي حصل فيما مضى. ومع أخذ كل هذه الأمور مجتمعة في الاعتبار، يحكي لنا فيلم امرأة من ذهب السبب وراء صراع ميرين في دور ماريا لاستعادة صورة خالتها. وذلك هو السبب وراء تألق ماريا أيضاً، قبل انتهاء الفيلم. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture.
مشاركة :