لا مكان للضعيف

  • 7/8/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حين يجوع الأسد يقتل فريسته ويمزقها إرباً من دون رحمة، فليس للرحمة عنده من تعريف فهو يقتل ليعيش، تلك الفطرة التي فطره الله عليها ولا يملك أن يغيرها، أما الإنسان فقد يقتل لألف سبب، من أجل المال، الأرض، امرأة، اختلاف الآراء أو المذاهب أو حتى الاهتمامات وغيرها من الأسباب التي لا يكاد أحد يحصيها، ولذلك فإن الضعيف يجب ألا يتوهم بأن القوي سيرحمه فهذا هو قانون الغاب وكذلك هو قانون البشر. الغلبة في هذا القانون للقوي أما الضعيف والجريح فليس له سوى مصيره المحتوم، الموت فطيسة تحت الأقدام أو النهش بأنياب وحوش الغاب. وهكذا هي حال الدول أمس واليوم وغداً فلا مكان فيها للدول الضعيفة سوى الخنوع للإملاءات والخضوع للضغوط والانحناء، رغم أنفها أمام أي ريح قوي لا تستطيع مواجهته.الممالك التي حكمت في الأرض كثيرة وعديدة، وما أن بلغ منها الضعف مبلغا حتى انقض عليها القوي ومزقها شر ممزق وخذ، مثالاً على ذلك أضخم إمبراطورية في التاريخ؛ الإمبراطورية العثمانية، التي تآكلت رويداً رويداً وضعفت سيطرتها على الأطراف في البداية والتي قضمتها كل من بريطانيا وفرنسا، حتى تهالكت وسقطت فريسة لهما فاقتسم المنتصران بعدها التركة فيما بينهما. لقد سميت الإمبراطورية العثمانية في أيامها الأخيرة بالرجل المريض الذي بدأ يسري في جسده المرض، حتى ضعفت منه الأطراف ووهن الجسد فوقعت تحت تأثير القانون الأزلي «لا مكان للضعفاء على الأرض».من السذاجة أن نؤمن بإمكانية التعايش بين القوي والضعيف، فمنذ اليوم الأول الذي وجد فيه الإنسان على الأرض كان هذا القانون هو الحكم وهو الذي يدير أمور البشرية على هذه البسيطة، وذلك في مملكة الإنسان والحيوان والنبات. ولكن الله الذي كرم بني آدم ومنحه العقل والقدرة على التمييز لم يستغل هذه الهبة الربانية جيداً، بل خضع لأهوائه وإملاءات شيطانه وفَجَر في الأرض طمعا في رزق فانٍ وملك زائل.لم تعد القوة بالعضلات فقط في عالم البشر، بل انتقلت إلى مستويات أعلى مثل قوة العلم والاقتصاد والاتصالات والعتاد العسكري، ونحن في عالمنا العربي على أقل تقدير لا نملك من العلم شيئا وأما اقتصادياتنا فهي اقتصاديات آيلة للسقوط والانهيار، تتحكم فيها دول الغرب والشرق، في حين أن ما نملكه من عتاد عسكري ليس لنا في صناعته فضلٌ مطلقاً.هذا ليس جلداً للذات وإنما هو إقرار لواقع أليم نتجرع مرارته ليل نهار وندفع ثمنه من كرامتنا وأمننا واستقلالية قراراتنا، وإذا كان لا بد من إصلاح الوضع فالأمر يحتاج إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليعيدوا الأمة إلى جادة الصواب، فنسترجع ما فقدناه من قوة وتكون لنا الريادة بعد أن تخلفنا لعقود.ولكن من جانب آخر فإن القوة المفرطة مفسدة، فهي مبعث للغرور ومصدر للشرور، وانظر ماذا فعلت أميركا عندما كانت هي القطب الأوحد في العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه لمجموعة تزيد على 13 دولة. غزت أفغانستان وبعدها العراق وتركتهما خراباً، وأطلقت يد إسرائيل فينا نهشاً وتقطيعاً، وعاث عملاؤها في الدنيا فساداً من فنزويلا إلى البوسنة وسورية وليبيا وغيرها من الدول. وجاء الخريف العربي ليحمل معه نوعاً آخر من فرض الإملاءات انطلاقاً من سياسة القطب الواحد، الذي يحكم العالم حتى وقفت لها روسيا نداً في سورية ومنعتها من تفتيت تلك الأرض العربية الغالية علينا جميعا. لم تفعل روسيا ذلك حباً فينا أو لسواد عيوننا وإنما فعلته لمصالحها الشخصية والتي تطابقت مع نظام الحكم في سورية بشكل جزئي، وها هي بدأت تحقق أهدافها تدريجيا وينحسر الدور الأميركي فيما يبدو كنوع من التفاهم على تقاسم مناطق النفوذ... ونحن لا نلوي على شيء أبداً.وطالما أن الضعف يسري في عروقنا مسرى الدم فيها، فأنا ضد سياسة القطب الواحد ومع سياسة القطبين أو أكثر فإما نميل مع هذا الطرف يوما أو مع ذاك يوما آخر، كما حدث أثناء الحرب الباردة، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية حتى العام 1989... والسؤال الذي يؤكد رأيي هو، أين منظمة دول عدم الانحياز التي تأسست في العام 1955 وعلى يد جمال عبد الناصر وتيتو وجواهر لال نهرو؟ لقد اختفت ولم يعد لها أثر فآخر اجتماع عقد لهم في العام 2012 وكان تحصيل حاصل لم يسمن من جوع ولم يرو من عطش.والأفضل من هذا يقينا أن يكون العرب والمسلمون قطباً من أقطاب القوة العالمية، وإلى أن يتحقق ذلك علينا أن نتلقى الصفعات الواحدة تلو الأخرى، وأن ندفع ثمن الحماية والبقاء. ولو نظرت أخي في التاريخ العربي القديم لعرفت أن الاستجارة بإحدى الشخصيات كان عُرفاً متبعاً عند العرب القدماء، وذلك حين يلجأ أحدهم لشخصية نافذة من القوم ويطلب حمايته ويستجير به فيرتدع من يريد به أذى، فلذلك لا بأس أن نستجير بأحدهم ولو موقتاً حتى نسترد عافيتنا وقدراتنا السليبة.صحيح أن ذاك اليوم يبدو بعيداً جداً، وقد لا ندركه نحن جميعاً، ولكن الأمل في المستقبل وفي أبنائنا الذين نتمنى أن نحسن تنشئتهم وتوجيه بوصلتهم نحو القوة والمنعة وبناء الذات، وأهم هذه العناصر هي الاتحاد والتعاون بعد الإيمان بالله واليقين بالنصر القريب. z_alweher@hotmail.com

مشاركة :