تثير مسرحية “زهرة اللوتس”، التي تعرض حاليا في القاهرة، خيال الأطفال والناشئة بما تطرحه من أفكار مثمرة وأحداث شيّقة واستعراضات جذّابة، وتتخذ الكوميديا الدرامية من قصة علاء الدين والمصباح السحري نافذة تراثية لاستحضار الفانتازيا والأساطير وإطلاق تساؤلات تتعلق بقضايا الواقع المجتمعية والسياسية. زهرة الحياة وجاءت مسرحية "زهرة اللوتس"، التي قدمت على خشبة مسرح “ميامي” بالقاهرة، لتتناول قيم العمل والحق والعدل والخير، وتناقش قضايا الهوية والأصالة والجذور، وتترصد علاقة الشعب بالحاكم، وصراعات السلطة، وألاعيب السياسة. يشكل عنوان المسرحية، وهي من تأليف طارق مرسي وإخراج محمد حجاج وموسيقى إيهاب حمدي وديكور حازم شبل وبطولة سيد جبر وحمدي العربي ووائل إبراهيم وهدى هاني، مفتاحا دالّا على توجهها المحوري، وانشغالاتها الأساسية، منذ بداية العرض حتى نهايته، عبر ساعتين كاملتين من تتالي الأحداث وتصاعدها دراميّا وحركيّا. زهرة اللوتس هي الرمز المصري الأول بالتأكيد، منذ عهد الفراعنة حتى يومنا هذا، فهذه الزهرة الاستثنائية هي سيدة النقوش والرسوم على جدران المعابد القديمة، ورفيقة الملوك والملكات في الصور الخالدة، وهي عنوان الخلق والخصوبة والتفتح. المسرحية تقدم معالجة فنية لصراعات السلطة مستلهمة قصة "علاء الدين والمصباح السحري" في طرح فانتازي جديد تمثل هذه الزهرة رمزا لإشعاع التفاؤل والبهجة عندما تسطع على صفحة النيل، وتحتضن تويجاتها آلهة الشمس والنماء. انطلقت المسرحية من عتبة زهرة الحياة وسيدة العطور، فهي مسرحية الإسقاطات والرموز المصرية الأصيلة، والبحث عن الكمال والاكتمال من خلال استحضار الإرث الحضاري والتاريخي، مع عدم إهمال قيمة العمل وبذل الجهد وإثبات الذات في الواقع الراهن، لأن الدنيا “تُؤخذ غلابا”، ونيل المطالب ليس بالتمني. أما قصة علاء الدين والمصباح السحري، والمارد “العفريت” الذي يحضر فجأة من المجهول ويعد صاحب الفانوس بتحقيق أمنياته، فقد تفاعلت المسرحية معها في سياق مغاير للمسار التقليدي للحكاية، فعلاء الدين هنا هو الفاعل والمحرّك للأحداث بيده وعزيمته، وبإرادته التي تجبر القدر على الاستجابة، بينما يظل دور الشبح ثانويّا في خدمة البطل المثابر. رسائل مركبةيمكن وصف “زهرة اللوتس” بأنها مسرحية الرسائل المركّبة، واللمحات المتعددة، فعلى الرغم من أنها جاءت في ثوب استعراضي غنائي كوميدي رشيق، وبلغة عامية بسيطة تناسب الصغار، فإنها امتلأت بالدلالات الغنية والإحالات والإسقاطات والأفكار، التي حوّلتها إلى وجبة دسمة، لكنها ظلت سهلة الهضم والامتصاص. دارت الحكاية الرئيسية حول الأميرة لوتس، ابنة الملك شمس الدين، التي تزرع المحبة والخير في كل مكان ويهيم بها الشعب عشقا، في صراعها مع عمها نجم الدين، الذي يطمع في الاستيلاء على السلطة عقب مرض الملك وموته، ويدبر الكثير من الحيل والألاعيب غير المشروعة بمساعدة وزيره “أبوالأفكار” من أجل تعطيل وصية الملك ورغبة الشعب في تنصيب الأميرة لوتس ملكة على عرش البلاد. ويتضح من خلال الأحداث أن سر قوة وطاقة الأميرة لوتس وإكسير حياتها وانتصاراتها، يتجسد في زهرة اللوتس التي تطالعها كل صباح قرب البحيرة، وتنعم باستنشاق رائحتها في أوج تفتحها. ومع غياب هذه الزهرة لبعض الوقت، تسنح الفرصة للمتآمرين بمحاولة هز ثقة الأميرة وزعزعة عرشها، لكنها تتفطن لمكرهم، وتخصص مكافأة كبرى لمن يعيد زهرة اللوتس المفقودة إلى البحيرة، لتسترد الملكة من خلالها عافيتها ومجدها. وفي إطار الصراعات والمواقف الكوميدية التي تبرز سذاجة العم نجم الدين ووزيره، وفطنة الأميرة وعلاقتها الطيبة بشعبها، ينجح الشاب علاء الدين، راعي حديقة القصر والفنان متعدد المواهب، بمعاونة صديقه المخلص الشاطر علي والمارد “العفريت” وبعض الحيوانات الأليفة (الكلب والحمار) في إفساد مخططات نجم الدين ونصرائه، وإعادة زهرة اللوتس بواسطة العمل المتواصل وبذل الجهد والتسلح بالعلم وإحياء القيم الأصيلة واستعادة الهوية والجذور ومقاومة رياح التغريب، ومن ثم تنتصر الأميرة لوتس على أصحاب الطغيان والجبروت، ودعاة الفرقة والانقسام. هوامش وفنياتعلى هامش المسار الأصلي للحكاية، قدّمت المسرحية العديد من الوصفات القيمية والأخلاقية والإشارات الموحية، منها على سبيل المثال: إعلاء شأن العمل كضرورة لتجاوز الحاضر المظلم، وجاء ذلك من خلال رفض علاء الدين وشباب الشعب الكادح ما أعلنه نجم الدين من فرض فترة حداد لمدة ستة أشهر بعد وفاة الملك شمس الدين، تتعطل فيها الأشغال تقديسا لروح الفقيد، فثار الشعب على هذا الفرمان الظالم، الذي يعطل سنة الحياة. انتصر العرض للأصالة والقيم التراثية على أكثر من مستوى، فبخلاف زهرة اللوتس الرمز الماضوي المتجدد، جاءت جملة الفنون التي يتقنها علاء الدين ونالت استحسان الأميرة من قبيل الغناء والتمثيل والأراجوز وصندوق الدنيا وصناعة الأباريق الخزفية وغيرها، لتشير إلى أن كنوز الإرث المصري لا تنفد، ومن خلال إعادة قراءة الذات واكتشافها وتطويرها، يمكن صياغة المستقبل الواعد “الحلم لازم يتحقق، بإيديّا دول (بيديّ هاتين)”. استخدم العرض تقنيات معاصرة وعناصر مبهرة على الرغم من دورانه في فلك المأثور والموروث، منها التوزيعات الموسيقية الجديدة للكلاسيكيات العالمية كالمتتابعة السمفونية “شهرزاد” للروسي كورساكوف التي تلائم أجواء “ألف ليلة وليلة” وطقوس السحر والفمن تلك المستجدات كذلك استخدام شاشة السينما كخلفية للمسرح في بعض المشاهد الخيالية، كرحلة صعود علاء الدين في الفضاء لمقابلة “ملك الأمطار” خارج الغلاف الجوي، لسؤاله عن كيفية استعادة زهرة اللوتس، وتعدد استخدام الأقنعة والملابس للتعبير عن تغيرات القلوب والضمائر، وغيرها من التقنيات والمفردات الفنية. وفي إطار التناسق العام للعرض، فإنه لم ينج في بعض جوانبه من الإطالة وتكرار الأفكار والعبارات الدالة على المعاني ذاتها، ربما لأنه يأخذ في اعتباره أنه يخاطب الصغار في المقام الأول. كذلك فإن الشخصيات شابها الاستقطاب التقليدي، فإما أنها خير مطلق وإما شر مطلق، وتلك سمة من سمات تمرير القيم الإيجابية للأطفال كي لا تختلط لديهم موازين الأمور. خففت الاستعراضات الغنائية والراقصة الكثير من حدة العرض، وأكسبته رشاقة وخفة، وهي أعمال فلكلورية شعبية مكتملة، ذات طابع درامي تعبيري، تشبه رقصات فرقة رضا الشهيرة التي تصف تفاصيل الحياة في المحافظات المصرية المختلفة. وجاءت كلمات الأغنيات دعوات صريحة إلى الأمل والتفاؤل وزراعة الخير والمحبة والتصدي للمخاطر والشرور.
مشاركة :