الإعلام بين الحقيقة والتضليل

  • 7/8/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قد تكون مهنة الصحافة من أقدس المهن وأكثرها خطورة إذا ما التزم ممارسها بالمبدأ الأساسي، وهو الدفاع المبدئي عن حق الإنسان في العيش بحرية وكرامة، مثلما يدافع الجندي الحقيقي المحترف عن وطنه وإنسانه ضد من يحاول انتهاك حرمة الوطن وحياة مواطنيه. وإذا انحرف الصحفي أو الكاتب أو أي إنسان يمارس مهنة الإعلام عن هذا المبدأ، وكذلك الجندي، فإن كليهما يكون مرتزقا. أما وجه الخطورة، فهو أن الصحفي والجندي يعرضان نفسيهما للمتاعب وربما الموت دفاعا عن هذا المبدأ. توصف مهنة الصحافة بأنها مهنة المتاعب والبحث عن الحقيقة، وهي سلطة رقابية وأداة لمحاربة الزيف والنفاق في حياتنا. ولأنها كانت محكومة بقوانين وضوابط أخلاقية وقِيَمية، لم يكن من السهل دخول أي إنسان إليها، فمن لم يكن مؤهلا أخلاقيا ومهنيا لم يكن ليستطيع الاستمرار في هذه المهنة، لأنه سيكون مرفوضا من زملاء المهنة ومن القارئ أيضا. لذلك نحن نرى في غياب هذه الضوابط أن الوسط الإعلامي أخذ يعج بمن هب ودب من الأدعياء والمنافقين وذوي الأجندات الخاصة. إذا كنت صحفيا حقيقيا فإنك إذا ما شاهدت المناظرات والمقابلات الصحفية ممن يسمون بالخبراء والمتخصصين ومن يجرون المقابلات ستلمس الحال المزري والمتردي للصحافة، فهؤلاء يحفظون عبارات معينة يرددونها في كل الأوقات، مثل الذين يبيعون ثوبا لجميع المقاسات. والأنكى من ذلك أنهم يعتقدون أن هناك من يشتري هذه البضاعة الفاسدة. هؤلاء مثل الذي كذب كذبة فصدقها وحاول إقناع الآخرين بها. في غفلة من الزمن أصبح هؤلاء الأدعياء نجوما وتربعوا على منابر الإعلام، ليبيعوا كذبهم وتفاهاتهم بعدما باعوا أنفسهم للشيطان، وقد بلغ الأمر ببعضهم أن نصبوا أنفسهم ناطقين رسميين وحراسا لبوابات الإعلام، بحيث لا يسمحون بالعبور إلا لمن يكون من نفس اللون والطعم والرائحة. ولو عاد الفيلسوف الفرنسي فولتير إلى الحياة، والذي قال «أنا مستعد للموت من أجل أن تقول رأيك»، لفضل أن يموت ثانية حتى لا يعيش هذا القبح. في كل العالم تعتمد الحكومات والأحزاب والمنظمات على وسائل الإعلام من أجل إيصال سياساتها وبرامجها للجماهير بغرض توعيتهم، ومن ينتقدون لمجرد الانتقاد وليس الإصلاح، لا يبتغون وجه الله، وإنما تنفيسا عن عقدهم النفسية وطمعا في مال أو جاه، «فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون». أنا أفهم أن يكتب الصحفي تقريرا أو يعد تحقيقا يتحدث فيه عن إنجاز باهر أو مشروع ناجح، ينفذ سياسات وخطط رسمية مرسومة لخدمة الوطن والمواطن، فما العيب في التركيز على إنجازاته؟ ولماذا يكيل الناقدون التهم لمن ينسبون الفضل إلى أهله؟ الكلمة أمانة، والذي يحملها ولم يرعها حق رعايتها فهو ظلوم جهول ومسؤول أمام الله، وعلى الذين يكتبون أو يمارسون مهنة الإعلام أن يتقوا الله فينا وفي أنفسهم فيما يكتبون، ومن لم ترتعش أصابعه قبل أن يكتب كلمة فعليه أن يعيد تقييم ذاته ومراجعتها، فنحن محاسبون، وعليهم أن يسألوا أنفسهم: ماذا سيكتب عنا إذا ما فارقنا هذه الدنيا؟ وما نفع أن يكسبوا العالم ويخسروا أنفسهم؟ a

مشاركة :