مهمة مثيرة تلك التي نفذها المخرجان جون ماكينا وغابرييل كلارك بعمل فيلم وثائقي عن الممثل الأميركي ستيف ماكوين، وبالذات عن مرحلة عسيرة من حياته، أوائل سبعينات القرن الماضي. والفيلم الذي يحمل عنوان «الرجل - سباق لومان» سيعرض للمرة الأولى في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، الشهر المقبل، على أن ينزل إلى الصالات في الخريف، مع الذكرى 35 لرحيل بطل «الهروب الكبير». ماكوين، عاشق سباقات الدراجات النارية والسيارات، كان قد شارك في فيلم للمخرج لي إتش كاتزن، عام 1971، عن «سباق لومان» الفرنسي الشهير الذي يستمر 24 ساعة متواصلة. وقام الممثل بدور متسابق يعود إلى الحلبة بعد مرور سنة على مصرع زميل له في السباق نفسه، ويقود سيارة من نوع «بورشه» تحمل ألوان ناقلة النفط الأميركية «غالف» ليتنافس على الفوز مع متسابق ألماني على متن سيارة «فيراري»، وبحضور أرملة البطل القتيل التي قامت بدورها الممثلة والمغنية الألمانية إلغا أندرسون. استفاد مخرجا الفيلم الوثائقي من قصاصات لم تعرض من أفلام ماكوين وضعها تحت تصرفهما نجله شاد ماكوين. وهما حاولا إلقاء الضوء على تلك الفترة القاتمة من حياة الممثل وبدايات مشكلاته الصحية. ومن الشهادات التي يتضمنها الفيلم واحدة لمايكل مان، كاتب سير عدد من مشاهير هوليوود، حيث يروي وقائع لقاء جمعه وهو في السابعة عشرة من عمره، مع ستيف ماكوين في منزل المخرج سام بكنباه في كورنويل، بإنجلترا. ويقول مان إنه شاهد أمامه رجلاً كئيبًا، قذرًا، غير حليق، ولا يشبه النجم الذي أدى بطولة «المرتزقة السبعة». ولم يكن صاحب المنزل سعيدًا باستقباله. وكان ماكوين هاربًا من تصوير فيلم «سباق المان» الذي كان قد وضع عليه آمالاً كبيرة، لكنه تحول إلى كابوس بسبب رحيل زوجته نيلا آدمز ووقوع عدة حوادث أثناء العمل. وينطبق على ذلك الفيلم وصف «الفيلم الكبير المريض»، وهي العبارة التي كان المخرج الفرنسي فرنسوا تروفو قد أطلقها على فيلم «مارني» للمخرج هيتشكوك. أي كان مقدرًا له أن يكون تحفة سينمائية، لكنه لم يصب الهدف لسبب غير معروف. قبل ذلك، أي في عام 1968، شارك ماكوين في بطولة اثنين من أشهر أفلامه: «قضية توماس كراون»، و«بوليت» مع المخرج بيتر ييتس. وقد حفزه النجاح على تصوير فيلم يجمع فيه بين شهرته كممثل وحبين حبه لسباقات السيارات. ولتحقيق ذلك، اقترح على جون فرانكنهايمر أن يعطيه دورًا في فيلم «الجائزة الكبرى»، لكن المخرج كان يريد التركيز على سباق السيارات لا على البطل النجم. وإثر ذلك، قرر ماكوين أن يخرج بنفسه الفيلم الذي يحلم به، بعنوان «يوم البطل» وكلّف توم بردي، محرر صفحة السيارات في مجلة «بلايبوي» بكتابة السيناريو له. لكن المنتجين لم يتحمسوا للسيناريو الذي وجدوه خفيفًا، وخصوصًا أن مشكلات ماكوين الصحية كانت قد خرجت إلى العلن رغم أن إصابته بالمرض الخبيث لم تكن ظاهرة بعد. ولم ير الفيلم النور، بل جاء «سباق المان» بديلاً له. ولا يتوقف الفيلم الوثائقي عند تلك المرحلة المتعثرة من حياة ستيف ماكوين بل يعود المخرجان إلى طفولته التعيسة في كنف والدة تحترف الدعارة وأب تركه ولم يعرفه. إنها الحياة المضطربة لفنان كان الأعلى أجرًا في العالم، تمرد على قيود النجومية أصابه جنون العظمة قبل أن يخبره الطبيب، عام 1978، بأن السرطان قد استشرى في رئتيه وما عاد يمكن إجراء جراحة لاستئصاله بسبب ضعف في القلب. وإزاء رفض الأطباء الأميركيين، سافر إلى المكسيك، عام 1980، لإجراء الجراحة التي استمرت 3 ساعات وبدا وكأنها قد نجحت. وفي اليوم التالي انطفأ الممثل بسكتة قلبية أثناء النوم.
مشاركة :