إنه غير قانوني من الناحية الفنية ويعج بالنفايات والفضلات البشرية، كما أنه مأوى لمتشردين من أقلية “الروما” (الغجر) العرقية، إنه متحف “إم.أيه.جي.آر” السري في منطقة “أوستينسه” الصديقة لجماعات “الهبسترز″ في العاصمة الإيطالية، وبطبيعة الحال هو غير ملائم لأصحاب القلوب الضعيفة. يتواجد الغجر في أكثر من 40 بلدا حول العالم، وتتركز مجموعة الغجر الروم أو “الرومن” في القارة الأوروبية. وتقول بعض الدراسات إن الأصل الموحد للغجر هو شمال الهند، ويرجع ترحالهم الأول إلى ما قبل 1500 عام. ويقول أمين المتحف ستيفانو س.أنطونيللي، إنه يعرض “فنا، ولكن في مكان بشع″. وتم افتتاح متحف “إم.أيه.جي.آر”، الذي يمثل الحروف الأولى من الاسم الذي يعني باللغة العربية “المتحف غير المرخص الذي يديره الغجر”، في عام 2016 بعرض 20 جدارية لفنان الشارع الفرنسي الشهير سيث (اسمه الحقيقي جوليان مالوند). ومنذ ذلك الحين، تمت إضافة الكثير من الأعمال ولوحات الغرافيتي إلى جدران المعرض، والتي يعود أغلبها لفنانين مجهولين. وأشهر أعمال الفنان سيث المعروضة في المتحف لوحة غرافيتي عن أطفال. وأحيانا ما تكون الأعمال في المعرض مبهجة، ولكنها في أكثر الأحيان كئيبة ومزاجية تتناول مساحة عريضة من القضايا، وبينها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وأزمة الهجرة والمهاجرين في أوروبا ودمار التراث الثقافي والنرجسية. المتحف يحوي نفايات من دمى محطمة وعربات تسوق وأثاث قديم وفراش مراتب وأحذية وملابس قديمة وزجاجات بلاستيك وعظام حيوانات ولكي يطلع المرء على هذه التفاصيل، عليه المرور بثلاثة مكبات للنفايات في الشارع، ثم السير عبر مدخل رواق ذي سقف مقوس، ودخول بوابة لا تحمل أي علامة، وهو على دراية كاملة بأن ما يقوم به يمثل تعديا على ممتلكات آخرين، فالمتحف يقول عبر موقعه الإلكتروني “خالف القانون معنا”. وينتظر الزائرين في الداخل أطلال ما كان يـُطلق عليه في الماضي “ميرا لانزا”، وهو مصنع صابون قديم يعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع الميلادي، وبات مهجورا منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. ويعرض المتحف مزيجا مربكا يصفه الموقع الإلكتروني بأنه “القمامة والجمال، القذارة والعجب”. وأول غرفة في المتحف عبارة عن فناء أقام فيه الغجر العشوائيون أكواخا من ألواح الحديد المموجة وأطر النوافذ القديمة ومواد أخرى من الخردة. ويتعرض الغجر المقيمون هنا إلى الإجلاء من قبل الشرطة، وكانت المرة الأخيرة في مايو الماضي، ولكنهم يعودون مجددا. وبالتجول أكثر في الداخل، يجد الزائر مزيدا من النفايات؛ دُمى مُحطمة وعربات تسوق وأثاث قديم وفراش مراتب وأحذية وملابس قديمة وزجاجات بلاستيك وعظام حيوانات، والكثير من الفضلات البشرية، فمحيط المتحف يخلو من دورات المياه. كما أن هناك المئات من الكتب المحترقة تعود لأرشيف الأكاديمية الوطنية لفنون الدراما والتي انتهى بها الحال داخل المتحف. ودمار هذه الكتب يثير الحزن، خاصة في ظل وجود مسرح “تياترو الهند” المجاور الذي يعد أحد مسارح الفنون التحررية في روما.والمدير الحالي لمتحف “إم.أيه.جي.آر” هو تيتو، كبير أفراد عرقية “الروما” الغجرية المقيمين داخل المصنع، والذي يعمل مشرفا لبعض الوقت في موقف للسيارات غير قانوني. وكان أنطونيللي تنازل له عن لقب المدير بعدما احتل تيتو المصنع مع عشرين من أقربائه. ويستقبل تيتو بشاربه المفتول وخلة الأسنان في فمه الزوار ويساعدهم في تحري الخطى عبر الجدران المهدمة والعوائق الأخرى. ولا يتحدث تيتو كثيرا، لكنه بدا سعيدا عندما أشار إلى العمل الفني المفضل لديه داخل المتحف، بينوكيو يرتدي قلنسوة وإلى جانبه علامة كتب عليها “الفن سيغير العالم” قبل أن تطالها نيران وتجعلها غير مقروءة جزئيا. اعتاد تيتو النوم والصورة قريبة منه. وقال أنطونيللي إنه “من الناحية القانونية، الغرافيتي قد خرَّبَ هذا المكان، لكن التخريب الحقيقي هو ما قامت به الدولة عندما هجرت هذا المصنع، وما نقوم به من تخريب هو ثورة ضد هذا التخريب”. وأضاف أنطونيللي، العالم الاجتماعي ومالك معرض فني وصاحب مشاريع متعددة لفن الشارع في العاصمة الإيطالية روما، أنه ابتكر متحف “إم.أيه.جي.آر” لتحدي فكرة المتاحف التقليدية، كما أكد أن الفن ينتمي إلى الساحات العامة ولا ينبغي أن يحفظ وراء الواجهات الزجاجية. وكلف إنشاء المتحف ثلاثين ألف يورو، واستغرق العمل فيه شهرين، وجاء التمويل من عوائد معرض نظمه أنطونيللي لأعمال فنان الشارع البريطاني الأشهر بانكسي. واستمد المتحف اسمه من اسم سياسي يميني متطرف كان يقصد احتقاره عهدا أطلق عليه هذا الاسم. ورأى أنطونيللي أن الاسم مثالي لمتحفه الإبداعي باعتباره استفزازيا وشكلا من أشكال “العصيان المدني”. وحظي المتحف، الذي أُقيم على أرض تعود ملكيتها لبلدية روما، بزيارات قامت بها شخصيات رفيعة المستوى، بينها المفوض الثقافي لروما لوكا بيرجامو ووزير الدولة الألماني لشؤون أوروبا ميشائيل روت. وذكر أنطونيللي أن المناخ السياسي تغير، وألمح إلى سياسات تغليظ القوانين والأنظمة التي تتبعها الحكومة الشعبوية الحالية في إيطاليا، والتي تشمل وزير الداخلية ماتيو سالفيني زعيم حزب “رابطة الشمال” اليميني المتطرف، وأحد طرفي الائتلاف الحاكم في البلاد. وفي مطلع العام الجاري، تلقت الشرطة بلاغا بأن أنطونيللي تعدى على الممتلكات وانتهك قوانين التجارة عندما باع دفترا مصورا (كتالوغ) عن مباني المتحف. ويرى أنطونيللي أنه ليس هناك ما يخيفه إذا ما انتهى به الأمر داخل قاعة المحكمة ليدافع عن أفعاله. وتمنى أنطونيللي، وقد علت وجهه ابتسامة الانتصار، “أن يبعثوا به إلى المحاكمة”.
مشاركة :