فريق معهد الكبد يصنع معجرزة في ليلة سقوط المنتخب: راتب «أجيري» 20 ضعف ما يتقاضوه

  • 7/9/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حالة من الترقب سادت الشارع المصري السبت الماضي، استعدادًا لمشاهدة مباراة المنتخب الوطني أمام نظيره الجنوب أفريقي ضمن منافسات كأس الأمم، فسارع بعضهم للتوجه إلى ستاد القاهرة الدولي لتقديم الدعم من المدرجات، فيما فضّل آخرون الإسراع في إنهاء أعمالهم وارتباطاتهم لمتابعة اللقاء عبر شاشة التلفاز، وبين هذا وذاك ظلت مجموعة أخرى منهكة لـ 15 ساعة، في سبيل إنقاذ حياة مريض. ودع المنتخب منافسات بطولة الأمم الأفريقية، ومعها ارتفعت الأصوات المعبرة عن الخزي والغضب تجاه اللاعبين والجهاز الفني، مع مطالبات بمحاسبة اتحاد الكرة رغم استقالته، ووسط هذه الأجواء الحزينة كان الدكتور محمود طلعت، منسق فريق زراعة الكبد بالمعهد القومي للكبد في القاهرة، منتشيًا بنجاح تدخل جراحي دقيق بدأ من الـ 8 صباحًا، وانتهى في الـ 11 مساءً، أي وقت نهاية المباراة. هذه المشاعر المختلطة أخذت مساحة من تفكير «طلعت»، والذي وصل بيته متأخرة آنذاك في الواحدة صباح اليوم التالي، حينها أراد التعبير عن فخره بما أنجهزه رفقة فريقه الطبي، وعلى الجانب الآخر يسعى للبوح عن غضبه تجاه هزيمة المنتخب، ليجد ملاذه في منشور عبر «فيس بوك» أعلن فيه «تحقيق فريق مصري آخر لإنجاز غير ما حدث بستاد القاهرة». يروي «طلعت» لـ«المصري لايت» أن أفراد الطاقم الطبي منقسمين حول متابعة وتشجيع كرة القدم، فبعضهم يفضل مشاهدتها إلى حد تأجيل مهامه لتتوافق مع توقيتات اللقاءات، والآخرين لا يلقون لها بالًا من الأساس، إلا أن حالة السبت كانت مختلفة، وأجبرت كلا الجانبين على أداء واجباتهم لإنقاذ حياة المريض. وجد أفراد الفريق الطبي أنفسهم أمام حالة صعبة وفق قول «طلعت»، خاصةً وأن المريض يعاني من تليف في الكبد نتيجة إصابته بفيروس «سي»، ما أدى إلى تلف كامل للعضو وتطلب استئصاله وزراعة فص صالح. يقول «طلعت» إن سوء حالة المريض، البالغ من العمر 63 عامًا، وصلت إلى حد إصابته باستسقاء والصفراء وغيبوبة كبدية، حتى وجد ملاذه في متبرع شاب، 33 عامًا، يمده بفص سليم، ليقرر الفريق إجراء العمليتين، الاستئصال والزرع، سويًا. في الـ 8 صباحًا دخل المتبرع إلى غرفة العمليات، وأجرى الأطباء له فحوصات سريعة للاطمئنان على حالة كبده، إلى جانب الإطلاع على الأشعة والتحاليل السابقة، ومن ثم دخل المريض المُستقبِل إلى جواره في الـ 10. ومن هذه اللحظة بدأت رحلة جراحية طويلة تعرض فيها الأطباء لمجهود نفسي وبدني كبير، بدءًا من استئصال الفص من المتبرع، وأخذت 8 ساعات، ثم إزالة الكبد المتليف وزرع الآخر، وهو ما ينتهي كليًا خلال 15 ساعة على الأكثر. ومع انتهاء التدخل الجراحي بنجاح في الـ 11 مساءً، تزامنًا مع هزيمة المنتخب، وضع الأطباء المريض في غرفة العناية المركزة، حتى يتعافى من آثار العملية «الأصعب على الإطلاق» وفق رؤية «طلعت»، مرجعًا ذلك إلى نسبة فشلها التي تصل إلى 25%، وتحمل مسؤولية روحين، خاصةً وأن المتبرع لابد أن «يخرج ماشي على رجله» حسب تعبيره. رغم إجراء «طلعت» وفريقه لعدد ضخم من عمليات زراعة الكبد، إلا أنه عقب كل جراحة يصف الأمر بـ«الإنجاز»، وهو ما ينبع، وفق قوله، من إنقاذ حياة إنسان له زوجة وأولاد، يعمل وينتج للمجتمع بشكل عام، أو طفل حظي بحب كبير من والديه. من هذه النقطة يعود «طلعت» بذاكرته إلى العام 2013، والذي شهد تكوين فريق زراعة الكبد بالمعهد القومي، مردفًا حديثه: «برنامج زراعة الكبد أُنشئ بالتعاون بين أطباء المعهد في القاهرة وأطباء معهد الكبد في جامعة المنوفية، اللي كان ليهم خبرة طويلة، وبعد مجهود من الدكتور محمد إسماعيل مدير برنامج زراعة الكبد، تلقينا التدريب على إيديهم لحد ما بقينا نشتغل سوا من ساعتها». يشمل الفريق، المكون من 60 طبيبًا، على تخصصات الجراحة، والتخدير، والباطنة، والأشعة، والرعاية المركزة، والتمريض، والصيدلة، إلى جانب العمال والموظفين، وينقسم إلى شقين حسب إيضاح «طلعت»، الأول خاص بالمتبرع، وهو بقيادة الدكتور إبراهيم مروان، والثاني متعلق بالمريض، أو المُستقبِل، تحت إشراف الدكتور حسام سليمان. فيما يعمل «طلعت» ضمن جرّاحي فريق المُستقبِل، إلى جانب مهمته كمنسق لفريق زراعة الكبد، بحيث يستقبل المريض مع دخوله للمعهد في المرة الأولى، ويلازمه خلال رحلة إجراء الفحوصات من تحاليل وأشعة، والبحث عن متبرع، ووصولًا إلى خضوعه للتدخل الجراحي. خلال منشور «طلعت» عبر «فيس بوك»، عبّر عن اندهاشه من راتب المدير الفني المُقال خافيير أجيري، والذي وصل لـ ١٠٨ ألف يورو شهريًا، وهو ما عقّب عليه، خلال حديثه، قائلًا إنه حسب متوسط دخل كل فرد في الفريق الطبي، واكتشف أن المكسيكي يتقاضى ما يُعادل 20 ضعف لما يتحصل عليه كل طبيب في الشهر الواحد: «الفرق خيالي». يتمنى «طلعت» أن يعيد المسؤولون النظر في أجور العاملين في المجال الطبي بشكل عام، حتى يكون ما يتقاضاه الأطباء مناسبًا للمجهود المبذول، إلى جانب تحسين الأجهزة والمعدات والمعامل وبدل العدوى. رغم راتب «أجيري» الضخم إلا أنه تسبب في ظهور المنتخب بشكل «مخزي» حسب وصف «طلعت»، وهو ما يختلف كليًا عما يحققه الأطباء المصريين من إنجازات مع قلة عوائدهم المادية، منهيًا حديثه: «إحنا فريق مهمته إنقاذ حياة الناس، وفي ناس في مجالات تانية بيعملوا حاجات مفيدة، زي الدفاع عن البلد والتعليم وغيرهم، دول كلهم يستاهلوا».

مشاركة :