حافظ رجل الأعمال التونسي نبيل القروي على تصدره لنوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية تماما مثل حزبه الناشئ “قلب تونس” في الانتخابات التشريعية، بحسب نتائج استطلاعات رأي نشرت الأربعاء. وتشمل الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة “سيغما كونساي” ونشرتها صحيفة “المغرب” المحلية، الفترة الممتدة بين الثالث والتاسع من يوليو الجاري، حيث تصدر القروي نوايا التصويت في الرئاسية بنسبة 23 بالمئة بينما حل الأكاديمي الجامعي المختص في القانون الدستوري قيس سعيد في المركز الثاني بنسبة 20 بالمئة. وجاءت عبير موسي الأمين العام للحزب الدستوري الحر الذي يمثل واجهة النظام القديم قبل ثورة 2011، في المركز الثالث بنسبة 12 بالمئة فيما يقبع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد والرئيس السابق المنصف المرزوقي في المركز الرابع بنسبة 7 بالمئة لكليهما.ولا تختلف هذه النتائج عن الاستطلاعات السابقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، التي تصفها الصحف المحلية بالزلزال السياسي كونها قلصت من انتشار القوى السياسية التقليدية مثل حركة النهضة الإسلامية وحركة “نداء تونس″، وحزب “تحيا تونس” الذي يقود فعليا الائتلاف الحكومي الحالي. وعزز حزب “قلب تونس” الذي يرأسه نبيل القروي هذا المنحى بتصدره نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بنسبة 23 بالمئة بفارق مهم عن حركة النهضة الثانية بنسبة 15 بالمئة. وجاء الحزب الدستوري الحر في المركز الثالث بـ12 بالمئة أمام حزب “تحيا تونس” الذي حاز على نسبة 8 بالمئة من نوايا التصويت فقط وخلفه حركة “عيش تونسي” وهي مبادرة اجتماعية مدنية. واستنادا إلى استطلاعات الرأي، يبدو المشهد الانتخابي التونسي على وشك الدخول في مرحلة تغيير جذري وحقيقي، تضع في الصدارة شخصيات ظلت حتى وقت قريب بعيدة عن السياسة، فيما تزيح الأحزاب التقليدية من الواجهة. ويعزو مراقبون هذا التحول إلى بحث الرأي العام عن عرض سياسي جديد ومختلف يضع الأولوية لقضاياهم المعيشية بدل تحويل السياسيين الشأن العام إلى مشهد للصراع على السلطة. وأقر الصحبي بن فرج النائب عن كتلة الائتلاف الوطني في تصريح لـ”العرب” بأن هناك عزوفا واضحا عن الطبقة السياسية الكلاسيكية وهو عزوف يستهدف بصفة خاصة الأحزاب التي تتصدر المشهد (حركتا النهضة والنداء). ويرى بن فرج أن هناك نزعة واضحة للتغيير والبحث عن منظومة جديدة بعد أن نجحت هذه الشخصيات عبر خطاب شعبوي وكلام منمق في استقطاب الشارع. ومع ذلك ستحاول النخب الحاكمة العمل وتدارك الأخطاء لاستعادة ثقة التونسيين في السياسة وفي العملية الديمقراطية. ويوجه منافسو القروي انتقادات له بالتلاعب بمشاعر الفقراء واستغلال أصوات من يقدم لهم المساعدات الإنسانية عبر جمعيته الخيرية “خليل تونس″ أو عبر نسب المشاهدة العالية لقناته التلفزيونية “نسمة”. فيما يقول القروي إن حظوظه تعتمد بالأساس على “فشل المنافسين، وتحديدا الطبقة الحاكمة، في إدراك وعلاج أهم مشكلات الشعب التونسي، أي البطالة والفقر والتهميش”. وبدورها تتهم عبير موسي التي عرفت بدفاعها الشرس عن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، باستخدام خطاب شعبوي قائم على مناهضة الإسلاميين. ويلاحظ المراقبون أن التضييق على القروي بعد قرار السلطات القضائية منع سفره وتجميد أمواله، لم يؤثر على شعبيته، في خطوة تؤكد تمسك الرأي العام بشخصيات من خارج دائرة الحكم لقيادة المرحلة القادمة. ويرجع هؤلاء هذا التحول، على الرغم من الانتقادات والتهم الموجه لشخصيات مثيرة للجدل مثل القروي، إلى انتباه الرأي إلى المعارك الانتخابية الدائرة في الساحة السياسية مع اقتراب السباق الانتخابي، وهو ما يوحي به توقيت إصدار مثل هذا القرار، ومن قبله قرار البرلمان إدخال تعديلات على القانون الانتخابي في خطوة غير مسبوقة قبل فترة قصيرة من الانتخابات. وكانت النيابة العامة في تونس أعلنت الاثنين عن قرارها بمنع سفر نبيل القروي وشقيقه غازي القروي وتجميد أملاكهما وأموالهما في إجراء احترازي ضمن التحقيق في قضية فساد مالي. كما تلاحق الأخوين تهم بغسل أموال وتهرب ضريبي. فيما وصف القروي هذا القرار بـ”الحملة المسعورة” ضد حزبه قبل الانتخابات. ويذهب بعض المراقبين إلى القول إن القرار القضائي ضد القروي جزء من معركة سياسية وتصفية الحسابات. ويشير منذر ثابت المحلل السياسي التونسي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “مثل هذه القضايا هي ذات خلفيات سياسية وهو أمر أصبح لدى الرأي العام معلوما”. ويتابع “لم تعد تنطلي قصة افتعال القضايا وقصة توظيف مثل هذه الاتهامات على التونسيين فهم على وعي بأن غايتها تصفية الخصوم”.وبيّن ثابت أن هناك تحولا هيكليا في اتجاهات الرأي العام، وهو ما يقلق النخب الحاكمة وما يكشف عنه طريقة التعاطي مع صعود القروي. وحسب ثابت يكشف تعاطي الائتلاف الحاكم مع التشكيلات الجديدة أنه تعاطي سلبي وخاطئ. ويعتقد أن قدرة أي منظومة حكم تقاس بمدى استيعابها لنقيضها. وتؤكد نتائج سبر الآراء أن هناك تعاظما للثقة الشعبية للشخصيات التي توصف بكونها خارج دائرة ومنظومة الحكم والأحزاب التقليدية، فيما وجدت أحزاب حاكمة مثل النهضة التي تحتل كتلتها المرتبة الأولى في الانتخابات، في تمرير التعديلات فرصة للتغطية على تراجعها الشعبي. لكن هذه النتائج قد تشهد تحولا قبل موعد الانتخابات التشريعية في أكتوبر المقبل والرئاسية في نوفمبر المقبل، وهي الانتخابات الثالثة التي تشهدها تونس منذ بدء الانتقال السياسي في البلاد عام 2011. ويعود السبب وراء ذلك إلى أن البرلمان صادق قبل نحو شهر على تعديل لقانون الانتخابات يقضي بمنع رؤساء المؤسسات الإعلامية والجمعيات ومن تمتعوا بإشهار سياسي قبل 12 شهرا من موعد الانتخابات من الترشح. وبذلك باتت فرص القروي وحزبه “قلب تونس” مهددة فعليا بعدم الترشح في الانتخابات كما هو الحال لحركة “عيش تونسي”، في حال وقع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي على القانون خلال الأيام المقبلة التي تسبق تاريخ تقديم الترشحات للانتخابات التشريعية يوم 22 يوليو الجاري.
مشاركة :