القرن الأفريقي هو شبه جزيرة تقع في شرق أفريقيا في المنطقة الواقعة على رأس مضيق باب المندب، وهي التي يحدها المحيط الهندي جنوبا، والبحر الأحمر شمالا، وتقع بها حاليا: جيبوتي والصومال واريتريا ويجاورها كينيا وأثيوبيا ويلحق به السودان، وكينيا، وأوغندا، تأثرا، وتأثيرا. وهذا القرن الأفريقي، المتحكم بمضيق باب المندب، جار لنا في جزيرة العرب منذ أزمنة غابرة، حيث يقول علماء الأرض ومتخصصو الانزلاقات الطبقية إن الفاصل المائي ذائع الصيت هذه الأيام، وهو مضيق باب المندب، حديث التكوين وعلى هذا الأساس تفسر الطبيعة المتشابهة جيولوجيا ومناخيا وفطريا بين جانبي المضيق، التي تصل إلى توافقات بيئية مرضية، تؤكد اللحمة القديمة. وتقدر مساحة القرن الإفريقي بمليوني كم2، ويسكنه نحو 90 مليون نسمة. وهو بهذا التحديد قرن إسلامي الهوية؛ للكثافة السكانية المسلمة التي تقطنه، والتي تتشكل في غالبها من قبائل الأرمو، والجالا في إثيوبيا، والصوماليين في الصومال، وأوجاديين بإثيوبيا، وإينفدي بكينيا، والعفر والعيساويين في جيبوتي، وإريتريا، والبجة الموزعين بين إريتريا وشرق السودان، ومن عداهم من القبائل والمجموعات الإسلامية الأخرى، من العرقيات المختلفة، هنا وهنالك، والتي تضم نسبا متفاوتة من المسلمين، وفضلا عن الأهمية التاريخية لهذا القرن قبل وبعد الإسلام، يكتسب القرن الإفريقي أهميته الإستراتيجية من كون دوله تطل على بحر العرب والمحيط الهندي، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية، والمتوجهة إلى أوروبا، والولايات المتحدة. كما أنها تُعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوروبا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي واليمن، وهي الحزام الجنوبي الهام جدا لنا في المملكة ودول الخليج العربية، وبالتالي فنحن لسنا بمنأى عن الحدث في القرن الأفريقي. وقد ظهر على السطح، قريبا، ما يسمى بتجمع صنعاء ودول القرن الأفريقي، وهو كما أعلن عنه في العام 2002م، مظهر من مظاهر التحالفات السياسية في القرن الإفريقي، وهو عبارة عن تحالف إقليمي بين ثلاث دول، هي: إثيوبيا، والسودان، واليمن، وقد غابت عنه ارتيريا، وقد ولدت مسودته في اكتوبر/ تشرين الأول عام 2002 في قمة جمعت زعماء الدول الثلاث، في العاصمة اليمنية صنعاء. وبالنسبة لنا في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن الثقافة العامة والانطباع الذهني هو أن هذا الجار الخلفي بعيد نسبيا، ولا يوجد به من عوامل الجذب ما يدفعنا للاهتمام به بطرق مباشرة أو غير مباشرة في غيبة تاريخية كادت أن تودي بنا إلى مهلكة، وما حدث بالدقة أن هذه الساحة الخلفية الجانبية قد درست وقيمت من قبل سرطان المنطقة الفارسي الذي يجب وجوبا أن نعترف بدهائه والخبث في بعد نظره، قد قيم هذا القرن الأفريقي على أنه منطقة شديدة الأهمية؛ لاعتبارات جيوسياسية تتعلق بإحكام القبضة على جزيرة العرب، بالالتفاف من الخلف ووجدت الثغرة سانحة والأبواب مفتوحة على مصراعيها في أرتيريا؛ لأسباب نتجاوزها هنا لعدم الإطاله، وخلال فترة زمنية وجيزة وبالتحديد عام 2008، وصلت العلاقات الإرتيرية - الإيرانية أقصى حالات الازدهار، حيث أعلن أفورقي في خطاب له بطهران أنه يدعو إيران لإقامة قواعد لها في منطقة القرن الأفريقي. ومع اندلاع الحرب السادسة بين الحوثيين والحكومة اليمنية، كان طبيعياً أن تظهر بصمات أريتريا في إرسال شحنات أسلحة وذخائر وأموال إيرانية إلى الحوثيين، هذا إلى جانب دعم تنظيم شباب المجاهدين المتمردين في الصومال، وقد أشارت بعض التقارير التي نشرت مؤخراً أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت في تحويل ميناء عصب الأريتري إلى قاعدة إيرانية، وأن الفرع الأفريقي في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري قد تولي هذه المهمة بالتعاون مع بحرية الحرس الثوري، حيث قامت السفن الإيرانية في البداية بنقل المعدات العسكرية والأسلحة الإيرانية إلى ميناء عصب، وشاركت في هذه المهمة ثلاث غواصات (كيلو) إيرانية. وفي المقابل، فقد اقتصر دورنا في هذه التطورات الخطيرة، على دور المراقب المتوجس، في حين كان الايرانيون وأذنابهم من الحوثيين يتوغلون في اتجاهنا حتى صرنا مجرد خطوة قادمة لهذا العدو اللئيم، لولا فضل الله، الذي بدأ غيثه بعاصفة الحزم المباركة التي نعتقد أنها كانت بحاجة ماسة لتحركات سياسية وقبائلية بل وعسكرية حذرة، قبل فترة من الزمن، في هذه المنطقة الهامة جدا، والتي كان ضياعها -لا قدر الله- سيمثل شللا تاما لنا في البحر الأحمر، وتواصلاته شمالا بالبحر الأبيض وجنوبا ببحر العرب. نعم فقد آن الأوان لليقظة للقرن الأفريقي النافذة الأهم للدخول إلى حديقتنا الخلفية ووجود الحليف السوداني القوي يسهل المهمة لنا، فاليقظة المتأخرة خير من السبات المستديم، والله المستعان من قبل ومن بعد. عضو المجلس العلمي الاستشاري لمعهد رياضيات القلب الأمريكي. عضو المجلس العلمي للجمعية العالمية للكوارث الكونية (ميونخ-ألمانيا)
مشاركة :