للعام السادس على التوالي يرسم ملتقى القاهرة الدولي للكاريكاتير البسمة على الوجوه ويشيع البهجة بلوحات ساخرة تعبر عن آراء وأفكار وثقافات 345 فنانا من 71 دولة. ويأتي الملتقى الدولي السادس لفن الكاريكاتير الذي انطلقت فعالياته مساء الأحد (7 يوليو) في قصر الأمير طاز التاريخي في القاهرة، حاملا أكثر من رسالة فنية واجتماعية وسياسية ودبلوماسية وميديوية من مبدعي مصر والعالم، الحريصين على لفت نظر الإنسانية إلى ضرورة ارتقاء الثقافة وتعزيز الحوار بين الحضارات والتواصل بين الشعوب. ويطرح الفنانون العرب والأجانب المشاركون أفكارهم العميقة المتجددة من خلال أبجديات المرح والسخرية الرشيقة. وينفرد فن الكاريكاتير بقدرته الاستثنائية على قراءة الواقع بعمق وتسجيل الأحداث المؤثرة في سائر المجالات؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والرياضية وغيرها، بروح استبصارية كاشفة، وقدرة على إثارة الضحك والبكاء في الآن ذاته، وتفجير السخرية والمفارقة. الثقافة طوق إنقاذ يتخذ الملتقى الدولي السادس لفن الكاريكاتير المنعقد في القاهرة حتى 21 يوليو الجاري من الثقافة محورا يطرح من خلاله فنانو الفكاهة اللاذعة جمالياتهم البصرية الرامية إلى تحفيز الرؤية وإثراء الوعي وترقية دور القوة الناعمة والجهود الدبلوماسية كترياق سحري يصل بالبشرية إلى التعاون والمحبة والسلام والتنمية.يمثل فنانو الملتقى الدولي للكاريكاتير في هذه الدورة 71 دولة عربية وأجنبية، منها مصر والكويت (ضيف الشرف) والعراق وسوريا والمغرب والسعودية والبحرين وليبيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والمكسيك وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وروسيا واليابان والهند والصين وكوبا وغيرها. ويقدم الفنانون وجبة دسمة متنوعة تنتمي مفرداتها وعناصرها الشهية إلى حقول متعددة، بما يزيد من قيمة الرسائل التي يطلقونها من منصة الفن. قال رسام الكاريكاتير المصري محمد عفت، عضو لجنة اختيار أعمال الملتقى، في تصريح لـ“العرب” إن لوحات الفنانين المشاركين جرى انتقاؤها من قرابة 1800 عمل كاريكاتيري لأكثر من 500 فنان من 76 دولة. وأشار إلى أن أبرز سمات الملتقى تتمثل في إبحار الأعمال في ما هو إنساني صرف، انتصارا للجوهر الأصيل، الذي صار نادرا في واقع يسوده الزيف والخداع وتحكمه الرقمية والبرمجيات والأجهزة الذكية. تعزف الأعمال المشاركة، وعددها 420 عملا لـ345 فنانا منهم 50 مصريا، على أوتار الثيمة الأساسية للملتقى، وهي الثقافة بوصفها غاية ومعبرا وخلاصا مما يعتري العالم من تخريب ودمار وصراعات. ومن خلال هذا المحور الرئيسي، تتشعب اللوحات لتشمل سائر الميادين والمجالات والنشاطات التي تنخرط فيها البشرية، وتشهدها تفاصيل الحياة اليومية. يشهد ملتقى الكاريكاتير الدولي، تكثيفا للضوء على الثقافة ودورها الفاعل للنهوض بالشعوب والارتقاء بالإنسانية في عصر التسليع والطغيان المادي والصراعات والحروب والتشرذم، وانتشار العنف والإرهاب حول العالم. ويجسد شعار الملتقى فكرته بتصويره شخصا يحمل كتابا في موضع رأسه، وذلك إعلاء لشأن الكلمة وقيمة الفكر. كما تبرز مجموعة من اللوحات رموز الثقافة وأيقوناتها من الشخصيات المرموقة، فضلا عن المنابر والأمكنة الثقافية من مسارح ودور سينما وأوبرا ومكتبات وغيرها. إلى جانب الجماليات المجردة، تحفل رسوم الملتقى بالمضامين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفلسفية وغيرها، على اعتبار أن ثيمة الثقافة تشمل كل ما يخص الوعي الإنساني، وتبدو المئات من الأعمال الكاريكاتيرية المتجاورة على جدران قصر الأمير طاز التاريخي بمثابة نوافذ فنية وتعبيرية ومعرفية منفتحة على آفاق رحبة لا حدود لها. تجارب نوعية من نماذج الأعمال المتميزة في ملتقى الكاريكاتير الدولي بالقاهرة لوحة للجزائري بلال بوتبة تبرز هجمة “فأرة” الكمبيوتر على الكتب الورقية لتقرضها وتمزقها، وأخرى لأرسين جيفورجيان من أرمينيا تجسد رأس الإنسان ككتاب ورقي لا يمكن الاستغناء عنه، فيما يرسم خالد الجابري من الإمارات الكتاب الورقي كطوق إنقاذ للإنسان الغارق تماما في الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية. ويدافع الفنان السعودي فهد الخميسي عن الوعي الإنساني والعقل البشري المتفوق الذي لا يقوى العصر الصناعي على تغييبه وتقليص قدراته، وتصور الكويتية منى التميمي الكتب المتراصة فوق بعضها البعض كسلم تصعد فوقه مصابيح الاستنارة، ويصف السوري عرفة اليوسف العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة والكتاب الورقي بأنها علاقة صراع.ويسخر السعودي أيمن الغامدي من زهد أغلبية البشر في القراءة والثقافة وحرصهم على المأكل والمشرب والقيم الاستهلاكية، ويلتقي العراقي خضير الحميري والكويتي حامد مطر في التهكم على انتشار الأجهزة الذكية التي جعلت الكتب الورقية كأنها مجرد ذكريات، وحولت القراءة إلى رحلة صيد بدائية. وفي لوحتها، تقلب المصرية أماني هاشم المفاهيم، فتجعل الآلة الذكية هي التي تتحكم في حركة الإنسان بالريموت، وتوجه مساراته. من تجليات ملتقى الكاريكاتير الدولي، احتفاؤه بفن البورتريه، خصوصا وجوه نجوم الأدب والفكر والفن والرياضة والسياسة العالميين، وعلى رأسهم نجيب محفوظ، الذي يحظى بمئة بورتريه كاريكاتيري بأصابع مئة فنان من أرجاء العالم المختلفة. وكان أبرز أعمال هذا المعرض لوحة تشكيلية للفنان المصري جلال جمعة صنعها من الزلط. وقال جمعة (71 عاما) في الافتتاح “هذا العمل صنع بعناية ودراسة واستغرق مني وقتا للبحث عن قطع الزلط الملائمة لتشريح وجه الأديب العالمي الذي أكن له كل تقدير واحترام”. وأضاف “ارتبطت بأعمال نجيب محفوظ منذ كنت طالبا في كلية الفنون التطبيقية، واليوم سعيد جدا لرؤية فنانين من أنحاء العالم يقدمون رؤيتهم له في قوالب وأشكال مختلفة”. ويكرم الملتقى الفنان الرائد عبدالمنعم رخا (1910-1989)، الأب الروحي للكاريكاتير المصري. وتسلم درع التكريم عن أسرته ابنه جمال رخا. ويحتفي الملتقى كذلك بالفيلسوف الصيني، لاو تزه، حيث يعرض 40 لوحة كاريكاتيرية حول حياته وفلسفته. كما كرم الملتقى مجموعة من فناني الكاريكاتير العرب والأجانب منهم الإماراتية آمنة الحمادي والسعودي أيمن الغامدي والكويتية سارة النومس واللبناني أنس اللقيس والياباني تومو تاباتا. يتسع ملتقى الكاريكاتير لتجارب نوعية وندوات وورش عمل فنية، منها: ندوة للفنان الكويتي محمد ثلاب رئيس وفد الدولة الضيف الكويت، حول تاريخ الكاريكاتير الكويتي وبدايته وتطوره وحراكه الراهن، وورشة “الرسم بالأرقام” للفنان السعودي أيمن الغامدي، ومعرض “حيوانات مرحة” للفنانين خالد المرصفي وفوزي مرسي والفنانة الإماراتية آمنة الحمادي. وهناك ندوة للفنان الياباني توموكازو تاباتا، والفنان البولندي داريوش دوبروفسكي، ومعرض خاص لأهم فناني الكاريكاتير في دولة كوبا، وورشة حول كيفية رسم الشخصية الكارتونية للفنان اللبناني أنس اللقيس، وورشة لتعليم فن الكاريكاتير للفنان البولندي داريوش دوبروفسكي، وورشة عمل للفنان الياباني توموكازو تاباتا. يُذكر أن الملتقى الدولي السادس لفن الكاريكاتير يرأسه الفنان جمعة فرحات، والقوميسير العام للملتقى هو الفنان فوزي مرسي، ويشارك في تنظيمه كل من قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، وصندوق التنمية الثقافية، والجمعية المصرية للكاريكاتير، وكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا.
مشاركة :