في مفاجأة سياسية كبرى، انتخب النائب الإسلامي سليمان شنين رئيسا جديدا للبرلمان الجزائري، في خطوة حملت حسب مراقبين ثلاث رسائل على الأقل، تنازل الأغلبية تحت ضغط الشارع، وأخرى لطمأنة الحراك وثالثة بتمهيد الطريق للتوافق. وتنازلت أحزاب للسلطة على غرار حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، و"التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يرأسه الوزير الأول السابق أحمد أويحيى، لأول مرة منذ تأسيس البرلمان سنة 1997، على رئاسة المجلس، رغم حيازتها على الأغلبية المطلقة. ويرى مراقبون انتخاب سليمان شنين أنه تنازل من السلطة لصالح بعض أطياف المعارضة، فيما يرى آخرون أنه محاولة لمغازلة إسلاميي الجزائر. وانتخب البرلمان سليمان شنين من حركة البناء الوطني ليحل محل معاذ بوشارب من حزب جبهة التحرير الوطني الذي حكم البلاد منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1962. واستقال بوشارب الأسبوع الماضي بعد ثلاثة أشهر من تنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كذلك تحت ضغط المظاهرات المطالبة بإصلاحات ديمقراطية وتغيير الحكومة. وشنين، 47 عاما، هو أصغر نائب يُنتخب رئيسا للبرلمان وليس لدى حزبه سوى 15 مقعدا في البرلمان البالغ عدد مقاعده 462، حيث يتمتع حزب جبهة التحرير الوطني وشركاؤه في التحالف بأغلبية مطلقة. وقال شنين في كلمته أمام النواب، إن البرلمان "قدم مقاربة جديدة تتمثل في أن الجزائريين بإماكنهم أن يجمعوا أنفسهم حتى على أقلية العدد من أجل الخروج من الأزمة". وتابع موضحًا أن "هذه المقاربة تكمن حرصنا ومسؤوليتنا جميعا بأن الجزائر في حاجة لجميع أبنائها، ولا يمكن أن يكون واحدا لوحده سببا في إخراجها من الأزمة". ونوه بتنازل أحزاب الأغلبية التي تعرف داخل قبة المجلس، بأحزاب السلطة التي تزكي كل ما يأتي من مشاريع قوانين من الحكومة ، مضيفا أن "مؤسستنا أكدت اليوم أنه بإمكان الأغلبية أن تقدم الأقلية عليها". وقال نواب حزب جبهة التحرير في بيان بعد لقاء زعيم الحزب محمد جميعي "نملك الأغلبية في المجلس لكن الحزب قرر الإسهام في المصلحة العليا على حساب مصلحة الحزب". وقال النائب عن الحزب عبد الحميد سي عفيف "بالنظر إلى الوضع الحالي في بلادنا، نفضل الجزائر على مصالحنا". ولدى حزب جبهة التحرير 160 مقعدا واحتكر رئاسة البرلمان لفترة طويلة بدعم من أحزاب سياسية موالية للحكومة.وقال النائب فؤاد بن مرابط من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الشريك الرئيسي لحزب جبهة التحرير الوطني "قررنا تزكية شنين من أجل الخروج من الأزمة والذهاب إلى انتخابات رئاسية نزيهة في أقرب وقت ممكن". ويرى مراقبون أن انتخاب سياسي معارض ينتمي إلى التيار الإسلامي، في منصب سيجعله دستوريا الرجل الثالث في الدولة، من شأنه إعطاء إشارات إيجابية للحراك الشعبي الذي يرفع كل جمعة شعارات تنادي "بالتغيير الجذري". ويرفض الجزائريون بشدة تولي أشخاص محسوبة على نظام الرئيس المستقيل وشاركت في التسويق السياسي له طيلة الولايات الانتخابية الماضية، تولي المناصب في المؤسسات الدستورية الكبرى. وتعهد قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح مرارا بتلبية مطالب المحتجين، ومنها مساعدة القضاء على محاكمة المسؤولين الذين يشتبه بتورطهم في قضايا فساد. ووُضع العديد من كبار المسؤولين، ومنهم رئيسا الوزراء السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال قيد الاحتجاز "لتبديد الأموال العمومية". ويطالب المحتجون باستقالة الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي اللذين يعتبرهما المتظاهرون جزءا من الحرس القديم. وأرجأت الحكومة انتخابات رئاسية تقرر سلفا إجراؤها في الرابع من يوليو تموز، متعللة بنقص المرشحين. ولم تحدد بعد موعدا جديدا للاقتراع.
مشاركة :