فنانو العالم "حرافيش" في مقهى أديب نوبل

  • 7/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يشهد قصر الأمير طاز في القاهرة الفاطمية، الذي طالما شغف به أديب نوبل الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ في كتاباته، عرض مئة بورتريه غير تقليدي لمحفوظ بأصابع فنانين عالميين، حرصوا على أن يكونوا “حرافيش” في مقهى محفوظ الثري، وغوّاصين في مؤلفاته المتميزة، وعلى رأسها “أحلام فترة النقاهة” ذات الطابع الفانتازي، وذلك ضمن ملتقى الكاريكاتير الدولي في نسخته السادسة والتي تتواصل حتى 21 يوليو الجاري بالعاصمة المصرية القاهرة. والبورتريه هو فن التقاط الحياة بشتى تمثلاتها في وجه الشخص المُصَوَّر وملامحه وجوانياته الداخلية، في لحظة قد تبدو ثابتة، لكنها مشحونة بالدينامكية والنبض والانفعالات المواراة والحالة المزاجية. وعندما يتوجه فن البورتريه إلى فضاء الكاريكاتير، القائم على المفارقة والمبالغة والتضخيم والسخرية والمرح والبكاء في آن، فإن البورتريه الكاريكاتيري يصير أكثر تحرّرا من قيود النقل الميكانيكي وانفلاتا من قبضة المعقول، وقد يتحوّل الرسم إلى دراما تعبيرية كاملة تصف الشخص وَتَشْرَحُه وتُشَرِّحُه، حتى وإن لم تكن هناك كلمات مصاحبة للعمل البصري. وفي هذا الإطار، تأتي بورتريهات نجيب محفوظ المتفوقة الكاشفة، التي يشهدها الملتقى الدولي السادس لفن الكاريكاتير (7-21 يوليو) بالقاهرة، وفيها يتبارى فنانو مصر والوطن العربي والعالم في تقصي تفاصيل شخصية نجيب محفوظ، ولوازمه، وخيالاته، وأعماقه الإنسانية، فضلا عن أعماله الإبداعية وأبطاله المعروفين كأنهم أفراد حقيقيون. وضمن محور الثقافة الأساسي الذي يدور حوله الملتقى، بمشاركة 345 فنانا من 71 دولة، تأتي بورتريهات عمالقة الفكر والأدب والفلسفة والفن، خصوصا من الراحلين، لتمثل إحياء للكلمة وابتعاثا لأصحابها وروّادها من الطليعيين والمجدّدين ودعاة التغيير والتطوّر إلى الأفضل، فما من سبيل إلى ترقية الرؤية وتعزيز الوعي وشحذ الخيال سوى القوة الناعمة وتجلياتها الثقافية ورموزها من التنويريين الداعين إلى المحبة والسلام والتنمية البشرية. وتتصدر بورتريهات نجيب محفوظ (1911-2006) القائمة، بمئة عمل متنوع حول شخصيته وإبداعاته، ومن بعده يأتي الفيلسوف الصيني “لاو تزه” (604 ق.م-531 ق.م)، بأربعين لوحة كاريكاتيرية حول حياته وفلسفته. وتتجلى في هذه التصويرات قدرات الفنانين على إظهار التعبيرات والأفكار من خلال حساسية الإضاءة على وجه الخصوص، حيث تتبدل الحالات باختلاف الأضواء والظلال، كما يتضح حرص الفنانين على تقديم البورتريهات وفق وجهات نظرهم الخاصة، وقراءتهم للشخصية وأعمالها. مفاتيح بصريةتتسم بورتريهات نجيب محفوظ في ملتقى الكاريكاتير الدولي بتجاوزها التجسيد الحرفي لملامح الأديب الشهير في مراحل عمره المختلفة، فهي مفاتيح بصرية ومرايا دالة تعكس في الأساس رؤيته الفنية التقدمية وروحه الوثابة وخيالاته المحلقة في السماء وعلاقته بشخصياته الروائية والقصصية. وإلى جانب غوصها في الطبقات العميقة للكاتب، فإن البورتريهات تركز كذلك على القسمات والسمات الشكلية، وتُبرز المفردات والعناصر المؤثرة بأسلوب المبالغة لتأكيد الرموز الموحية وإحداث المفارقة، كابتسامة نجيب محفوظ العريضة وهو يجالس حضور جلساته الدورية ويسامر رفقاءه من “شلة الحرافيش”، ولازمته الشهيرة بوضعه يده إلى جوار أذنه ليحسن الاستماع ولو إلى الصمت، ونظارته السميكة التي تبدو منسجمة معه في التحام عضوي شفيف. وتُبحر مجموعة من البورتريهات في تفاصيل الأحلام المحفوظية التي جسّدها في مجموعته الفانتازية الأخيرة “أحلام فترة النقاهة”، والتي تختلط فيها الوقائع والذكريات والخيالات. وتلتقي في هذه الأعمال مشاهد الطفولة في حي الحسين والمناطق الأثرية والأحياء التاريخية في قلب القاهرة، وفي العباسية القديمة بقصورها وحدائقها، ومعاينات الحاضر في سنوات محفوظ الأخيرة، بالإضافة إلى التهاويم والاستبصارات العجائبية، التي تمتلئ بها صفحات الأحلام المحفوظية، كأن يطير البشر بأجنحة، وتتحدث البيوت والأمكنة، ويتهكم “أبوالهول” والأهرامات على العصر الراهن ببؤسه وشقائه وباروده المتفجر. ويصوّر الفنان السعودي سليمان المسيهيج في عمله الكاريكاتيري نجيب محفوظ برأس ضخم في سنوات عمره الأخيرة، وهو يمتطي كتابا سميكا كأنه قارب، مجدافه ريشة عملاقة، ويعبر محفوظ فوق كتابه المُنقذ أمواج البحر العاتية إلى شاطئ الأمان. كما يقدم الفنانان العراقيان هندرين خوشناو وعلي المندلاوي، والفنان التونسي منير الهادفي، وجيتيت كوستانا من إندونيسيا، تصوّراتهم للارتقاء المحفوظي، كنموذج للمثقف الفاعل والأديب الشامخ، فهو منطلق من منصة الأهرامات فوق مستوى السحاب، بطاقة الكتب والأوراق الحافلة بكنوز المعرفة، ويتسلح دائما بطمأنينة الوعي، وابتسامة الثقة والإشراق. ويكاد يتحول محفوظ إلى محض ضحكة رنانة في لوحة الفنان البحريني عبدالأمير الحايكي، وتتدفق دلالات الهداية وإنارة الطريق كشلالات من الأسنان الناصعة. ويُبرز الفنانون المصريون عمر صديق وهاني عبدالجواد وأحمد وحيد الابتسامة المحفوظية كذلك كعتبة مفتاحية للولوج إلى عالمه واستكناه شخصيته، وتبدو منجزات العلم ومبتكرات الحضارة والكتب وأوعية حفظ المعلومات وغيرها في هيئة بشرية، وهي ترفع أيديها لتحية محفوظ، الذي يتّخذ لدى عمر صديق سمتا نموذجيا قياسيا، كرمز للاكتمال، بأبعاد هندسية. ويقترح الفنان الكويتي باسل أبوحيمد بمساندة الظلال والألوان القاتمة هيكلا مفرطا في الوقار للكائن المحفوظي المخضرم، باتزان هيئته ورزانة هندامه وأزرار قميصه المغلقة وسماكة نظارته وتأملاته المتعمقة. روح المكانتتسق بورتريهات نجيب محفوظ الكاريكاتيرية مع روح المكان الأثري الذي تُعرض فيه هذه الأعمال بالقاهرة التاريخية، خصوصا أن محفوظ هو ابن حي الحسين ومنطقة الجمالية، وصديق أهلها البسطاء الشعبيين، وقد منح في أغلبية مؤلفاته دور البطولة لهذه الأمكنة الاستثنائية المشبعة بالأصالة. ويقدّم الفنانان الإسبانيان إنريك روميرو وخافيير زوريلا وجه نجيب محفوظ كأيقونة من أيقونات الحضارة المصرية والإنسانية، وإلى جواره الأهرامات وأبوالهول والمآذن القاهرية، وتتحرك أصابع محفوظ في إحدى اللوحات ممسكة قلما بألوان العلم المصري. وفي لوحة أخرى تمسك أصابع محفوظ عصاه بقوة كأنها سلاح في مواجهة الظلام والتغييب والرجعية، وتحيط ببورتريهات محفوظ كلمات مكتوبة بالعربية، مستقاة من صفحات رواياته الواقعية، ويصف فيها السارد جماليات المكان في قاهرة المُعزّ. وفيما يستعرض البرتغالي باولو بنتو افتخار الثقافة العربية بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، فإن جو يي وهو مين من الصين وماركو دارغوستينو من إيطاليا يركزون على استحقاق محفوظ هذا الفوز التاريخي بتصويرهم ميدالية نوبل الذهبية في يد محفوظ وهو ينظر إلى أعلى، مواصلا الكتابة والإبداع بهمة حتى في لحظات التتويج، وفي جيبه وردة تشع بهجة وأملا. ويصوّر الألمانيان هيلموت جاسيك وجرفتر كاكي نظرة نجيب محفوظ إلى المستقبل، وتقدمه إلى الأمام، وفي يده أسلحته الخاصة من كتب وأوراق وأقلام، وتستعرض بورتريهات الفنانين أجيم كراسنكي من كوسوفو ويومنيس تورو من كوبا امتلاء الذات المحفوظية بالتفاؤل والإصرار والتحدي، والقدرة على مقابلة الصعاب براحة وإرادة وطموح إلى التغيير. يُشار إلى أن الملتقى الدولي السادس لفن الكاريكاتير بالقاهرة ينظمه قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية، بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية، وكلية الفنون الجميلة بجامعة المنيا والجمعية المصرية للكاريكاتير.

مشاركة :