انظر إلى نفسك في المرآة عندما تغضب

  • 7/12/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كشفت إحدى الدراسات الحديثة أن الناس قد أصبحوا يعانون من مستويات عالية من مشاعر الغضب والقلق والحزن في جميع أنحاء العالم. وتقول الدراسة التي أجراها المركز الأميركي لاستطلاعات الرأي “غالوب”، عن العواطف العالمية، إن “معدلات الأحاسيس السلبية آخذة في الارتفاع”. وهذا أمر طبيعي، وسببه النسق السريع للحياة العصرية التي يتخللها الكدح اليومي، والهموم المالية ومحاولات العثور على وظيفة، وخصوصا الكيفية التي ينظر بها البعض لأنفسهم مقارنة بالآخرين. ومع زوال الحدود بين المجتمعات بسبب التكنولوجيا، قد يستبد القلق والإحباط والغضب بالكثيرين عند مقارنة أنفسهم بأشخاص آخرين يعتقدون أنهم أفضل منهم، ما يجعل الأشياء التي كانت تشعرهم بالمتعة في الماضي تفقد أهميتها مع مرور الوقت، وقد يتسبب ذلك في بعض الأحيان في انهيار العلاقات الاجتماعية والأسرية. الحالة المزاجية للشخص قد تؤثر على سلوكياته، وخصوصا عندما يُضمر قدرا كبيرا من المشاعر السلبية بداخله، فقد تنتج عن ذلك فورات غضب، تصل إلى حد الانخراط في أعمال عنف، سواء في المنزل أو في مكان العمل. وللأسف، فإن علماء النفس قد بينوا أن الآثار المترتبة عن الغضب مضرة حتما بالصحة، ومن وقت لآخر تُبين الأبحاث أن عدم التنفيس عن الغضب يمكن أن يضر بالقلب، وقد تنجر عنه العديد من المشاكل الصحية الأخرى، ولذلك من الجيد تفريغ شحنات الغضب بطريقة ما، من أجل استعادة الراحة والتخفيف من حدة الضغط النفسي. في المجتمعات التي تعلي من شأن الرجل على حساب المرأة يتوقع من النساء دائما أن يكن هادئات ومستكينات، ويكتفين بالتحلي بالصبر وتحمل ثورة غضب الزوج البعض من المعالجين النفسيين يرى أن إعطاء الأشخاص الغاضبين مجموعة من الوسائد ليسددوا إليها اللكمات، قد يساعد على طرد الطاقة السلبية من أجسامهم، ويساهم في تحسين مزاجهم. ومؤخرا فتحت مقبرة هولندية للسيارات البالية، يستطيع الناس من خلالها التغلب على السأم والألم والإحباط، وذلك عبر “تحطيم” السيارات. وتتواجد العديد من المراكز في الإمارات وأندونيسيا واليابان وسنغافورة والولايات المتحدة والصين، فضلا عن بعض العواصم الأوروبية، تسمح لزبائنها بتحطيم أجهزة تلفزيون قديمة وآلات طباعة للتنفيس عن غضبهم. كل هذا قد يبدو معقولا ومقبولا إلى حد ما حتى وإن كان لا يشفي الغليل دوما، بل قد يخلق موجة متصاعدة من العنف، تبدأ بتحطيم الأشياء وقد تصل إلى حد تسديد اللكمات للآخرين وتعنيفهم. واللافت أن النساء لا يجدن غضاضة في التنفيس عن مشاكلهن والتحدث عنها للأصدقاء والمقربين منهن، في حين ينزع الرجال إلى كتمانها. وقد يُعزى ذلك إلى أن الكثير من المجتمعات تحث الذكور على التحلي بالشدة وقوة التحمل وعدم الإفصاح عن مشاعرهم صراحة. وهذا يعني أن الرجال قد يعانون من مشاكل تفوق أحيانا ما تعاني منه النساء، لكنهم قد يكونون أقل تعبيرا عما يعتريهم لمن حولهم، وهذا يزيد من احتمالات إقدامهم على سلوكيات متطرفة، وبدلا من محاولة التفكير في حلول لمشكلاتهم، يلقون باللوم على من حولهم. معظمنا يمكن أن ينخرط في مناوشات مع بعض الأشخاص بدرجة معتدلة من حين لآخر، لكن هناك من يميلون إلى التصرف بهذا الأسلوب بشكل دائم، كوسيلة لإبراز قوتهم وسيطرتهم على علاقاتهم وتفاعلاتهم مع الآخرين. وفي حالة الرجال المرتبطين تكون الزوجات أقرب شخص لفرض السلطة عليهن، فيتوقعون منهن فهم ما يدور بداخلهم، بدلاً من أن يعبروا لهن عن ذلك مباشرةً بأنفسهم. وفي أحيان كثيرة، تتصاعد الضغوط لدى الرجال إلى معدلات كبيرة، فتصيبهم بنوبات من العصبية والغضب، تدفعهم إلى الصراخ والصياح والتهديدات الشفوية والتعنيف لشريكات حياتهم. مع زوال الحدود بين المجتمعات بسبب التكنولوجيا، قد يستبد القلق والإحباط والغضب بالكثيرين عند مقارنة أنفسهم بأشخاص آخرين يعتقدون أنهم أفضل منهم يمكن أحيانا للشعور الفطري بالضعف وعدم الثقة في النفس، أن يجعل البعض من الرجال يفرطون في اللوم، وتعليق أخطائهم أو مشاكلهم على زوجاتهم، ليصبح الأمر أشبه بـ”احتجازهن رهائن”. وفي المجتمعات التي تعلي من شأن الرجل على حساب المرأة يتوقع من النساء دائما أن يكن هادئات ومستكينات، ويكتفين بالتحلي بالصبر وتحمل ثورة غضب الزوج حتى لأتفه الأسباب، فتتحامل الكثيرات على أنفسهن، ويحاولن التأقلم مع السلوكيات العدائية لأزواجهن وما يتعرضن له من ظلم وجور وإهانات. لكن في لحظة ما قد تنفد القدرة النفسية للمرأة على التحمل ويبلغ الصبر منتهاه، عندها لا مناص من أن تتخلى عن علاقتها الحميمية وتطلب الطلاق، غير أن معظم النساء يكتشفن متأخرا أنه لم يعد بوسعهن ذلك، لأنهن همشن حياتهن المهنية وتفرغن لشؤون الأسرة فقط، ولم يعدن يحظين بالاستقلالية من الناحية المالية. يقول غوتاما بوذا مؤسس الديانة البوذية “إنك لن تعاقب على غضبك، بل سوف تعاقب من قبل غضبك، فلنتغلب على الغضب بالحب”. لا شك أن الشخص الذي يعبر عن غضبه بالصياح والتهديد والوعيد والعنف، ويملأ الأجواء صراخا، سيؤذي مشاعر جميع من حوله، ويسهم في زعزعة علاقته بأقرب الناس إليه، وسبب ذلك التقريع والطرق غير الصحية في تفريغ شحنات الغضب. والأهم من ذلك أنه سيندم في النهاية مهما كان ما غضب من أجله يستحق الانفعال، فالندم نتيجة حتمية للغضب، لكن ما قيمة الندم بعد فوات الأوان. ولهذا عندما تفقد أعصابك ويحمر وجهك، ويتسع بؤبؤا عينيك، وتطبق على فكيك، ويبدأ نبض قلبك في التسارع استعدادا للشجار، ويبدأ جسمك في سحب الدهون من بعض العضلات، ألق نظرة على نفسك في المرآة لتعرف مدى بشاعتك وأنت في هذه الحال، وفكر مليا في ما سيتركه ذلك المنظر من أثر على الناس الذين تتعامل معهم يوميا.

مشاركة :