تنظر المجتمعات العربية عموما إلى ذوي الاحتياجات الخاصة نظرة شفقة، وهؤلاء يعتبرون في الكثير من الأحيان “فئة مهمشة غير مرغوب فيها” بسبب العقليات أو القوانين، التي حتى وإن كانت “ثورية” في بعض البلدان فهي للحفظ في أدراج مكاتب المسؤولين. لندن - لدى واحد من بين كل سبعة أشخاص شكل من أشكال الإعاقة، إذ يبلغ عدد المصابين بالإعاقة قرابة مليار شخص من بين 7 مليارات نسمة هم إجمالي سكان العالم، بينهم أكثر من 100 مليون طفل، فيما يعيش ما يزيد على 80 بالمئة من عدد المصابين في الدول النامية. ورغم الجهود المبذولة لخدمة ذوي الإعاقة على مستوى العالم منذ تخصيص يوم دولي لهم عام 1992 غير أن الأرقام والإحصاءات بشأن معدلات تزايدهم تكشف النقاب عن حجم الأزمة وضرورة التصدي لها بعدما بلغت نسبتهم 15 بالمئة من إجمالي سكان الكرة الأرضية. لا يزال واقع حقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم العربي بحاجة إلى المزيد من التركيز، من أجل إدماج هذه الشريحة في المجتمع. أعادت مراسلة التنسيقية الوطنية للمكفوفين المعطلين من حاملي الشهادات، في المغرب لعدد من الهيئات، والمنظمات الدولية، من أجل قبول طلباتهم باللجوء إلى دول غربية، إلى واجهة الجدل وضع المكفوفين خصوصا وأصحاب الاحتياجات الخاصة. 1 من بين كل سبعة أشخاص لديه شكل من أشكال الإعاقة في العالم وطالبت التنسيقية، ضمن رسالتها، المنظمات بـ”قبول طلب اللجوء الإنساني في أحد البلدان، التي ترغب في احتضان هذه الفئة المنبوذة، والمحرومة من أبسط الحقوق الإنسانية في العيش الكريم”. ونقل موقع “اليوم 24” المغربي عن الحسين أدلال، الكاتب العام للتنسيقية قوله إن طلب المكفوفين هذا يأتي “بعد عدم وفاء الحكومة بالوعود، التي قطعتها في حق هذه الفئة”، مبرزا ” أن “الدولة المغربية بكل مؤسساتها لا ترغب في أن يعيش الإنسان المكفوف بكرامة داخل وطنه الأصلي”. وأكدت التنسيقية أن الحكومة لا “تحترم الاتفاقيات الدولية، وحقوق الإنسان، والمعاقين، بل ودستور البلاد وقوانينها، وفشلت في إيجاد حل لملف المكفوفين المعطلين، حاملي الشهادات”، وساقت مثالا على ذلك بـ”نسبة 7 بالمئة، التي ما يقارب 20 سنة ونحن ننتظر تفعيلها”. وأكدت بسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية عدم قدرة الحكومة على الالتزام بقوة القانون، الذي لا يطبق. يذكر أن التنسيقية راسلت كلا من الأمم المتحدة، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ولجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولجنة القضاء على التمييز العنصري، واللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومجلس الاتحاد الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، وأيضا منظمة العفو الدولية، ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان. ولا يعتبر وضع المكفوفين خصوصا وأصحاب الاحتياجات الخاصة في المغرب استثناء. ففي تونس قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي إن الأشخاص ذوي الإعاقة ما زالوا محرومين من حقّهم في الشغل مؤكدا أن نسبة البطالة في صفوفهم بلغت 40 بالمئة حسب الإحصائيات الرسمية و60 بالمئة حسب المنظمات الممثلة لهم ممّا يجعلها تبلغ 3 أو 4 أضعاف مقارنة ببقية السكّان النشطين. واعتبر الطبوبي أن الواقع ما زال متخلّفا عن النصوص القانونية التي وصفها بأنها متقدّمة في ضمان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية لكافّة أفراد المجتمع بما في ذلك الأشخاص حاملو الإعاقة. وأضاف أن الإجراءات المتعلّقة بتخصيص نسبة 2 في المئة من الوظائف في القطاع العمومي للأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال دون انتظارات المعنيين بها إذ أنّ الإدارات والمؤسسات العمومية لا تلتزم بتطبيق تلك النسبة عند الانتداب. وتقول هبة هجرس ناشطة مصرية في حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وعضو في المركز القومي لشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، إن ما تخصصه الحكومة المصرية من حصة ذوي الاحتياجات الخاصة “نظام الكوتا” في سوق العمل المصري لا وجود له على أرض الواقع، إذ تسمح الحكومة المصرية بانتداب 5 بالمئة من ذوي الاحتياجات الخاصة من نسبة الموظفين إلا أن هبة تؤكد أن النسبة لا تتعدى 0.5 بالمئة فقط. 40 مليونايتجاوز عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في المغرب حاجز الـ2.2 مليون مواطن، ما يمثل 6.8 بالمئة من إجمالي عدد السكان، ما يعني أن أسرة واحدة من بين كل 4 أسر معنية بالإعاقة، وفقا للنتائج التي أوردتها وزارة الصحة المغربية لبحث وطني عن الإعاقة. البحث كشف حجم المعاناة التي تواجهها تلك الفئة، في ما يتلعق بحظوظ التعليم وفرص العمل، هذا بخلاف ما يتعرضون له من تهميش في شتى المجالات من المجتمع المغربي. وتتصدر مصر قائمة الدول العربية الأكثر عددا في معدلات ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ يقدر عددهم بنحو 12 مليون مصري حسب تقديرات أممية، تفنيدا للأرقام المصرية التي تذهب إلى أن العدد الحقيقي يتراوح بين 3 و4 ملايين معاق. أما في لبنان فبحسب التقرير الأخيرالذي صدر عن البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية فإن ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون نسبة 15 بالمئة من سكان لبنان، ورغم مضى 13 عاما على صدور القانون 220/2000 المتعلق بحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان فإن معظم بنوده لم تطبق بعد وهو ما يهدد حياة هذه الفئة. وفي فلسطين، هناك ما يقرب من 400 ألف شخص من ذوي الإعاقة، أكثر من نصفهم في سن العمل. كما تصل نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية 7 في المئة من إجمالي عدد السكان بتعداد قدره 1.5 مليون مواطن، هذا بخلاف حجم المعاناة التي يواجهونها بصورة يومية. وقد شهدت أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي ارتفاعا ملموسا خلال السنوات الأخيرة حيث أحصت منظمة الصحة العالمية، عام 2012، أكثر من 34 مليون من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة. وأكدت فاليري آموس، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، أن احتجاجات الربيع العربي أدت إلى زيادة أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة جراء أعمال العنف التي شهدتها العديد من الدول، مما أدى إلى ارتفاع حالات الإعاقة في الوطن العربي. وتشير التقديرات الحديثة إلى أن ما يقرب من 40 مليون عربي مصاب بشكل ما من أشكال الإعاقة، أكثر من نصفهم من الأطفال والمراهقين، وتصل نسبة الإصابة في بعض البلدان إلى معدلات قياسية أعلى من المعدلات العالمية بكثير، وذلك بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. معاناة مستمرةتشير التعريفات الواردة في أدلة الأمم المتحدة إلى أن الإعاقة عبارة عن “حالة أو وظيفة يحكم عليها بأنها أقل قدرة قياسا بالمعيار المستخدم لقياس مثيلاتها في نفس المجموعة” ويستخدم هذا المصطلح في معظم حالاته على الأداء الفردي، بما في ذلك العجز البدني والعجز الحسي وضعف الإدراك والقصور الفكري والمرض العقلي وأنواع عديدة من الأمراض المزمنة، ويصف بعض الأشخاض ذوي الإعاقة هذا المصطلح باعتباره مرتبطا بالنموذج الطبي للإعاقة. التعريف يشير إلى أن المصابين بالإعاقة أقلّ حظا من غيرهم في ما يخص الحالة الصحية والإنجازات التعليمية والفرص الاقتصادية، كما أنّهم أكثر فقرا مقارنة بغيرهم، مرجعا ذلك إلى عدد من الأسباب على رأسها نقص الخدمات المتاحة لهم والعقبات الكثيرة التي يواجهونها في حياتهم اليومية، سواء كانت ناتجة عن قوانين وسياسات أم تصرفات اجتماعية وعنصرية. وتظهر المقارنة بين واقع هذه الشريحة المهمة في دول متقدمة، وفي المنطقة العربية، فجوة كبيرة ومتزايدة. وترصد التقارير العربية والدولية حجم معاناة ذوي الإعاقة داخل المجتمعات العربية، فعلى سبيل المثال فإن متوسط الدخل الشهري للأشخاص الذين يعانون من أي من صور الإعاقة أقل بكثير من متوسط الدخل العام؛ فيما يتعذر على قرابة 60 بالمئة منهم تحمل تكاليف حياتهم الشهرية. وبجانب عدم وجود برامج لدمج وتوظيف المعاقين في معظم الدول العربية، فإن عددا كبيرا من المدن العربية، لا تبدو حتى مهيأة في ما يتعلق بالبنية التحتية والمواصلات، لتيسير ممارسة المعاقين حياتهم اليومية. أما على مستوى المجتمع، فإن النظرة وفقا لمختصين تتراوح بين الإشفاق أو السخرية في الكثير من الأحيان، وهو ما يدفع إلى المزيد من تهميش هذا القطاع المهم من المجتمع. ولا توجد في العالم العربي قاعدة بيانات حول العنف والإساءة ضد ذوي الاحتياجات الخاصة، أما الحالات التي يتم الإبلاغ عنها، فهي أقل بكثير من الحالات التي تحدث على أرض الواقع. كما لا تهتم غالبية الدول العربية بتأسيس نظام تأمين صحي خاص بذوي الاحتياجات الخاصة ما يشكل عبئا كبيرا على المريض، إذ يحتاج ذوو الاحتياجات الخاصة إلى الكثير من المعدات غالية الثمن ليستطيعوا المشاركة في الحياة الاجتماعية بين الناس، إلا أن عدم توفر تأمين صحي لهم يزيد من نسبة انعزالهم عن المجتمع. وعلى المستوى التعليمي هناك خلل واضح في اهتمام الدول العربية بالمنظمات التعليمية الخاصة بهم، إذ تحتاج تلك المؤسسات دعما ماديا كبيرا بعض الشيء؛ فيضطر معظم أهاليهم إلى مشاركة أولادهم في المدارس العادية للتعليم، مما يشكل عبئا عليهم جسديا وعقليا. كما يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في مجال العمل في العالم العربي من عدم أخذ عملهم على محمل الجد، فيتم توظيفهم فقط لتحقيق نسبة قليلة من النسبة التي تصرّح بها الحكومة، إلا أنه لا يتم تكليف أي منهم بعمل جاد أثناء ساعات عمله. وتختلف معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في البلاد العربية من بلد إلى بلد تبعا للوضع الاقتصادي، فيُلاحظ في الإمارات تسهيلات واضحة لهم في وسائل المواصلات والأماكن العامة والشوارع. ولئن احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عربيا في مستوى إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، فإن هناك الكثير من القصور تجاه هذه الشريحة في أغلب الدول العربية. يذكر أن التجارب الدولية الرائدة كشفت أن المجتمع بأكلمه المستفيد الأكبر عند إزالة العوائق التي تحول دون تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة. وتؤكد الأمم المتحدة ضرورة إشراك المعاقين في كافة برامج التنمية في كل الدول، والتعامل معهم على أنهم شريحة أساسية من المجتمع، وكذلك التوعية الشاملة بحقوقهم ثم ترسيخ مفهوم تكافؤ الفرص بين الأصحاء والمعاقين بهدف تعامل مجتمعي أفضل. وأكدت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، سابقا، مارغريت تشان، في رسالة لها بمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة أن “الإعاقة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، فكل واحد منا يعاني، أو سوف يعاني، من الإعاقة بدرجة أو بأخرى في حياته”، لافتة إلى ضرورة التذكير بوضع الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم، مضيفة “من المهم في المقام الأول أن نقاوم إغراء استعمال كلمتي ‘نحن’ و’هم"”.
مشاركة :