ثمة حقيقة فيما يخص دراسة الطب (بكالوريس) وهي أن عدد السنين للحصول عليها سبع سنين.. تزيد قليلاً أو كثيراَ عند البعض.. ولكنها لن تقل بأي حال من الأحوال عن السبع العجاف.. مهما كان الطالب ذكيا ومجتهداً.. وأخذ تيرمات صيفية.. والسبع العجاف يأتي في نهايتها عام يُغاث فيه طالب الطب بعد ما مر عليه من قَحطٍ.. أكل كل سنابله.. أي سنة الامتياز.. واسألوا أي طبيب عن النقلة النوعية (معنوياً ومادياً) وما يشعر به من زهو وفخار عندما يكون طبيب امتياز.. وعن نفسي أنقل صورة من الماضي: ففي فجر أحد أيام رجب من عام 1405ه (دَق البيجر) في غرفة الطبيب المناوب في المستشفى.. أثناء مناوبتي في قسم الجراحة.. فاستيقظت من نومي المتقطع.. وأخذت أردد بيني وبين نفسي: دق البيجر.. ياالله عسى خير.. ياالله بحالة إسعافية لا تحتمل التأخير إلى الصباح.. كي أتعلم وأكمل ما يجب علي من متطلبات في قسم الجراحة.. وأثناء رفعي لسماعة التلفون لأجيب.. من الداعي.. فإذا بها التوصيلة الخاصة بالطوارىء أو الإي آر.. أو شعبة حادثات بلغة السند والهند.. وبعد مكالمة قصيرة مع طبيب الإسعاف.. عرفت من خلالها أن الحالة لزائدة دودية ملتهبة.. أسرعت متجها للطوارىء.. لأقوم باللازم.. وفي ذهني مر شريط بعدد عمليات استئصال الزائدة التي تتجاوز العشرين.. كنت أحضرها مراقباً في البداية.. ثم مساعداً.. يُسمح لي فقط بتقفيل الجلد في نهاية العملية.. ثم مشاركاً في كل مراحل العملية.. وكان الوقت فجرا.. وأنا الطبيب الوحيد في القسم.. فتكتمت على طبيعة عملي في القسم.. وأضمرت في نفسي أمراً.. ألا يعمل العملية إلا أنا فقط.. وعندما بيجرت الطبيب المقيم لم يرد علي.. ففرحت كثيراً.. وبعد أن قام أبو المريضة بالتوقيع على إقرار إجراء العملية الروتيني.. توكلت على الله.. فاتصلت أو بيجرت الأخصائي.. الذي كان مُشرفاً على عملي وتدريبي كطبيب امتياز (انتيرن) وواعدته أن نلتقي في غرفة العمليات.. ليكون شاهداً على مهارتي في استئصال الزائدة الدودية الملتهبة.. وطلبت منه ألا يتدخل في سير إجراء العملية ويكون مساعداً لي.. وأخبرته ان الطبيب المقيم لم يرد على بيجري.. فهز الأخصائي رأسه مبتسما.. وهو يغالب النعاس.. ويعرف أنه لو لم يأت.. لبيجرت الاستشاري ورئيس القسم.. ونجحت العملية.. لتخرح المريضة في اليوم التالي سالمة معافاة.. ولا أخفيكم بأنني كنت الأسعد آنذاك.. حتى من المريضة نفسها ووالدتها.. وأقمت حفلاً في القسم.. وأولمت للزملاء احتفالاً بالمناسبة بكيكة بلاك فورست.. من الركن الفرنسي القريب من المستشفى.. حيث كنت أتدرب.. وكيف قام رئيس القسم بتقطيع وتقسيم (كيكة) نجاح العملية على الزملاء.. وعينا الطبيب المقيم تنظران نحوي.. ولا يستطيع إخفاء مافيهما من حنق وحسد.. لأنني أجريت العملية.. من طقطق لسلام عليكم.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله. * مستشار سابق للطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية
مشاركة :