ســــرديـــات: أساطير بيضاء..كتابة التاريخ والغرب!

  • 7/14/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

«الميتافيزيقا؛ تلك الأساطير البيضاء التي تعيد تجميع ثقافة الغرب وتعكسها. الرجل الأبيض يفهم أنَّ أساطيره، أيّ الأساطير الهندأوروبيّة، وعقله، أيّ نسق القيم الأساسيّة الخاص بلغته هو، على أنّها الشكل الكليّ لما لا يزال حتمًا يرغب في تسميته العقل». جاك دريدا كتاب «أساطير بيضاء، كتابة التاريخ والغرب»White Mythologies،Writing History and the West للمفكر روبرت يانج هو واحد من أبرز الكتب التأسيسيّة في نقد الكولونياليّة والكولونياليّة الجديدة، وهنا أفرق بين «الاستعمارية» التي تعني احتلالاً عسكريا وهيمنة سياسية والكولونيالية التي تشتغل أساسًا على الخطابات؛ أيّ ما أنشأته الاستعمارية من أرشيف وثائقي وتمثيلات ثقافية وكتب ومفكرين يرسخون بطريقة ما مفاهيمها الكبرى. والكتاب ليس منشغلاً بالدرجة الكبرى في قضايا العرق والزنوجة التي اشتغلت عليها أساسًا الدراسات الأفروأمريكية، والأساطير البيضاء لا تستدعي الأساطير السوداء كما قد يوحي بذلك عنوان الكتاب عند النظرة الأولى! إنَّ هذا الكتاب معنيّ أساسًا بنقض أفكار بعض المفكرين الأوروبيين الذين أوجدوا في كتاباتهم «مركزية أوروبية حاكمة» اختزلت تواريخ العالم كلّه وتواريخ شعوبه المتباينة في تاريخ واحد أوروبيّ مركزيّ يّقاس بواسطته ارتقاء الشعوب الأخرى! يقول روبرت يانج «وعلى أيّ الأحوال فإن هيجل هو من أعلن أنَّ إفريقيا لا تاريخ لها، كما أنَّ ماركس رغم انتقاده للإمبريالية البريطانيّة هو الذي توصّل إلى أنَّ الاستعمار البريطانيّ للهند كان في مصلحتها في نهاية الأمر، لأنّه أدخل الهند ضمن السرد الارتقائيّ الخاص بالتاريخ الغربي، وخلق بذلك ظروف الصراع الطبقي في المستقبل! كما يفهم هيدجر، ومعه التاريخ الغربيّ كلّه، العلاقة مع الآخر على أنّها تتمّ تبعًا لمشيئة الشعوب المستقرة مالكة الأرض وبانيتها. فالملكية في الغالب الأعم هي الشكل الذي يصبح فيه الآخر هو الذات بتحوّله إلى ملكيتي. كتاب «أساطير بيضاء» معنيَّ أساسًا بنقض نسق التاريخ الهيجليّ، كما ينقض ماركسية كارل ماركس التي أسماها «الماركسية البيضاء» التي رسّخت بطريقة ما مركزية تاريخ العالم الأوحد وفقًا للهيجلية. وتصدر أهمية هذا الكتاب الاستثنائي أنَّه فكّك مقولة أنَّ التاريخ الأوروبيّ هو «تاريخ التاريخ» و«تاريخ العالم» الوحيد، وناقش آراء بعض المفكرين الأوروبيين من هيجل وماركس إلى ألتوسير وفوكو كما وقف عند اشتغالات إدوارد سعيد وجاياتري تشاكرافورتي سبيفاك وهومي بابا في سياق نقض كولونيالية التاريخ وتفكيك «الغرب». أدعو دائمًا إلى القراءات المتوازية في الموضوع نفسه؛ إنَّ قراءات من هذا النوع كفيلة بجعلنا نتعمق أكثر في مصادر الأطاريح النظرية والفكرية التي يصدر عنها المفكرون لمقارنتها ومساءلتها. إنَّ هذا يخلق عند المتلقي القراءات المتراكمة في الموضوع نفسه؛ وهذا النوع من القراءة أفضله كثيرا جدًا خاصة لمن يريد وعيا نقديا وفكريا حقيقيا. أنصح بقراءة هذا الكتاب مع كتابي إدوارد سعيد «الاستشراق» و«الاستشراق والإمبريالية» نظرًا إلى تزامنهما معا وقت الصدور. هذا الكتاب في ترجمته العربية صادر عن المشروع القومي للترجمة ومن ترجمة أحمد محمود. أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الحديث المساعد،كلية الآداب، جامعة البحرين. dheyaalkaabi@gmail.com

مشاركة :