قبل أيام وعلى خلفية زيارة أمير قطر الشيخ «تميم آل ثاني» إلى واشنطن كان واضحا أبعاد إشادة الرئيس «ترامب» به وهو يقول (أنتم حليف عظيم، وقد قدمتم لنا المساعدات بمنشأة عسكرية رائعة، ومطار عسكري لم ير الناس مثيلا له منذ وقت طويل)، وأضاف مخاطبا الأمير (بحسب ما أفهم تم خلال ذلك استثمار 8 مليارات دولار، والحمد لله كان أغلبها من أموالكم وليس أموالنا)! وكانت كل كلمات خطابه الأخرى للأمير على المنوال ذاته (حول المال القطري والاستثمار)! وتوسيع قاعدة «العديد» العسكرية التي تحتضن آلاف العسكريين الأمريكيين، وتعتبر من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. في الوقت ذاته تحدث الجنرال الأمريكي «تشارلز والد» أن (على قطر الاختيار بين الاستمرار في دعم إيران أو إغلاق القاعدة العسكرية الأمريكية الجوية هناك) وأضاف في حديثه لشبكة (إن بي سي) الأمريكية (إن رقص قطر على جميع الحبال، لم يعد ممكنا في هذه المرحلة، وأن عليها تغيير سلوكها، إذ أظهرت دعما لإيران التي تدعم أخطر التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، وتهاجم ناقلات نفط في الخليج العربي وأسقطت طائرة أمريكية من دون طيار). ماذا إذن عن دعم أمريكا لقطر؟!! { هذه التناقضات بين إشادة الرئيس الأمريكي لأموال قطر وبين تحذير الجنرال الأمريكي قطر للدور الذي تلعبه في دعم الإرهاب غير المقتصر على دعم الإرهاب الإيراني على أرض الواقع يفسر (استراتيجية التخبط الأمريكي) نفسه والذي نراه تخبطا مقصودا، بل يفسر الرقص الأمريكي على جميع الحبال أيضا، ليس في هذه المرحلة وإنما منذ سنوات طويلة! ما يضرب (المصداقية الأمريكية) في مكافحة الإرهاب، وهي المتهمة أصلا بصناعته في المنطقة! { في الواقع فإن الموقف الأمريكي من دعم وتمويل قطر للإرهاب لا يخضع فقط لإغراءات المال القطري والاستثمارات القطرية وقاعدة «العديد» بل إن الدور القطري في زعزعة استقرار وأمن المنطقة بدعم وتمويل الإرهاب وخاصة أمن واستقرار الدول الأربع التي اضطرت إلى مقاطعتها جزء من (الاستراتيجية الأمريكية) نفسها، التي عملت في الإدارات السابقة على زرع كل أشكال الفوضى من طائفية وعرقية وإرهاب لتهيئة دول المنطقة لسايكس بيكو أو التقسيم وتجزئة ما تم تجزئته في بدايات القرن الماضي! ومن الواضح أن «ترامب» لا يستطيع الوقوف في وجه تداعيات وامتدادات تلك الاستراتيجية (الحربائية) لأن أدوات المشروع وخاصة إيران وقطر لم تستنفدا قدراتهما في زعزعة استقرار الخليج العربي والمنطقة! * لندع المحلل الأمريكي المختص في السياسة الخارجية (جوردن شاختل) يوضح أحد أوجه (التناقضات الأمريكية الصارخة)، من دون أن يذكره وهو يقول في مقال نشره موقع (ديلي واير) الأمريكي عن الدور الذي تلعبه قطر في دعم المتطرفين والإرهابيين، ونقطة الالتقاء بين طهران والدوحة في دعم الإرهاب، من دون أن يتطرق كما يبدو إلى الدعم الأمريكي لقطر، التي وصفها بذلك الوصف وهو وصف حقيقي! يقول بحسب ما نقلته جريدة «أخبار الخليج» (تحرك حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومنهم السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن وغيرهم بشكل جماعي لمحاربة التطرف في المنطقة فيما اختارت قطر التحالف مع إيران وتركيا لاحتضان المتطرفين وتمويل حركاتهم الثورية وإثارة فوضى إقليمية على نطاق أوسع والدوحة تستمر في الإساءة بهدوء إلى سيادة جيرانها والتدخل في شؤونهم والتحريض على التمرد الإسلامي في جميع أنحاء المنطقة). فهل ما قاله هذا المحلل الأمريكي ومن قبله آلاف المقالات العربية والغربية التي توضح أن دول المقاطعة هي التي تحارب الإرهاب وأن قطر هي التي تدعمه كان غائبا مثلا عن وعي صناع القرار أو الرئيس الأمريكي ترامب وهو يشيد بدور قطر وكل الإدارات السابقة أيضا تقف معها؟! { من يحتاج إلى الاختيار بين من يدعم الإرهاب ومن يحاربه وهي (دول المقاطعة ومن معها) هي أمريكا نفسها لأن السياسة القطرية في نهاية المطاف لم تكن قادرة على الاستمرار في النهج ذاته، لولا الاحتواء الأمريكي لنهجها والتغاضي عن دورها الشائن في التحريض على الإرهاب والتمرد «المتأسلم» في جميع أنحاء المنطقة! ولذلك فإن قطر التي تستند على الظهر الأمريكي وهذا الظهر يسندها بقوة سواء من أجل المال أو الاستثمار أو كأرض لأكبر القواعد العسكرية ونضيف كأرض تحتوي على كل معاهد التغيير الأمريكية المعروفة، إلى جانب «التخريب الإعلامي والتضليل الفكري» عبر قناة «الجزيرة»، من المفترض أن تجد موقفا أمريكيا موحدا ضد دعمها للإرهاب، إن كانت جادة، وليس أن نجد أنفسنا بين خطابات أمريكية متناقضة، كما جاء على لسان «الجنرال» ثم على لسان «ترامب»! وهنا نعود إلى نقطة البدء في هذا الاختيار، فهل أمريكا لديها القدرة عليه، أم أن تناقضاتها هي إحدى دعامات استراتيجيتها الخطرة في المنطقة والتي لا تزال مستمرة حتى في زمن «ترامب»! والنقطة الأهم في كل هذا هل القادة العرب لا يدركون السياسة الأمريكية التي لا تزال تدعم قطر؛ أي تدعم الإرهاب؟!
مشاركة :