عرفت المملكة العربية السعودية ومنذ تأسيسها ببراعتها في استخدام القوة الناعمة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، ومارست الحكومات السعودية المتعاقبة، حتى يومنا هذا، سياسات استخدمت فيها عناصر الثقافة، والسياحة، ومفاهيم التعايش مع الآخر، في التأسيس لعلاقات سياسية واقتصادية واسعة حول العالم. واليوم يبرز دور القوة الناعمة أكثر على الصعيد العالمي في ممارسات الدول، ويتعاظم دور هذه القوة وسط حقيقة وجود أزمات اقتصادية واسعة في بلدان كثيرة، حيث أصبح استخدام أدوات وممكنات القوة الناعمة محط اهتمام القادة السياسيين والاقتصاديين، وباتت هذه القوة بمثابة محرك استراتيجي للركائز التي تبنى عليها اقتصاديات كثير من الدول التي تمتلك خططا تنموية جادة، وتعمل على تنفيذها وفق مخططات زمنية. وتستطيع المملكة أن تحظى بنصيب وافر على صعيد الاستثمارات البينية بينها وبين عديد من الدول الإسلامية التي ترى في السعودية الممثل الأكثر أهمية للإسلام تراثا وممارسة، وهذا التأثير الثقافي بحد ذاته يعد عنصر قوة ناعمة بالغ التأثير في المحيط الإسلامي. أما الدراما السعودية فهي مدخل مهم للتعريف بالمجتمع السعودي والثقافة السعودية، وهي عبر عرضها مدبلجة بلغات مختلفة، قادرة على تعريف العالم بثقافة مجهولة تماما بالنسبة لهم، وهذا بدوره سيزيل الصورة النمطية الخاطئة لدى بعض الأفراد من الثقافات الأخرى عن المملكة. من جهة أخرى، تمثل سياسة المملكة في التعايش مع الأمم والحضارات، ومحاربتها الإرهاب بكل أشكاله وصوره دليلا على إعلائها قيمة الإنسان أينما وجد، يعزز ذلك البرامج السياحية التي باتت فاعلة على الأرض، حيث بات بمقدور أهل الثقافات الأخرى زيارة مناطق سياحية قديمة في المملكة خارج نطاق المدينتين المقدستين. وسيعمل هذا التواصل الحضاري المباشر على تعريف الآلاف وربما الملايين بسماحة المملكة شعبا وحكومة، ما يعزز بدوره الاستثمار القادم من الخارج، والذي يحتاج إلى استخدام القوة الناعمة لمساعدة المستثمرين الأجانب على التعرف على المملكة وأهلها، وإدراك الفرص الحقيقية والكبيرة للاستثمار في بلد يعد واحدا من أكثر بلدان العالم رسوخا على صعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي. وبوجه عام، حان الوقت لقيام مؤسسة حكومية رسمية تعنى بشكل خاص بتطوير أدوات القوة الناعمة واستخدامها بشكل علمي ومنظم لخدمة مصالح المملكة الاقتصادية، وهو ما من شأنه أن يدعم الاقتصاد السعودي بمجموعة من البرامج التي ستستهدف المستثمرين من خارج المملكة، حيث إن جذب الاستثمار الخارجي يستحق الجهد لما له من منفعة مباشرة على المواطن وعلى الاقتصاد المحلي. القوة الناعمة أن يكون للدولة قوة تجسد أفكارها ومبادئها وأخلاقها وتسامحها، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن.
مشاركة :