يتوقف مستقبل أزمة الخليج واحتمال تطورها والاتجاه الذي يمكن أن تأخذه نحو التصعيد أو التهدئة على نجاح جهود الرئيس الأميركي ترمب، المدعومة من السعودية، في بناء توافق وتحالف دولي للتعامل مع إيران في الأزمة. وتعتمد الإستراتيجية الأميركية في أزمة الخليج الآن على أساسين رئيسين هما: 1. بناء توافق وتحالف دولي يهدف إلى تسهيل مجابهة ومواجهة إيران. 2. التمسك بالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران مع ترك الخيار العسكري مفتوحاً. أوضحت في المقال السابق الأسباب التي دفعت بالرئيس الأميركي إلى التوجه نحو تشكيل التحالف والتوافق الدولي في تعامله مع إيران. وسوف أنتقل في هذا المقال إلى مناقشة أهمية وطبيعة التوافق والتحالف اللذين يجري العمل على إقامتهما الآن. إنهما يختلفان عن بعضهما ولكنهما يقعان في سياق واحد بحيث يكمل أحدهما الآخر. والفرق بينهما هو أن التحالف يهدف إلى حشد الدول التي ستشارك في مواجهة إيران، وأما التوافق الدولي فإنه يهدف إلى ضمان حياد الدول التي لن تشارك في التحالف وفي مقدمتها روسيا والصين وربما اليابان. ويمكن لإطار التفاهم الدولي أيضاً أن يشمل بعض الدول الأوروبية المهتمة بالاقتصاد الإيراني، والتي تختلف في الوقت نفسه مع العديد من السياسات الإيرانية في المنطقة. وأولى مهام التحالف الدولي حماية حرية الملاحة في الخليج ودعم أميركا في مواجهتها مع إيران. وتشتمل أهداف المواجهة مع إيران كما حددها الرئيس ترمب في أربع نقاط جوهرية هي: 1. منع إيران من تطوير سلاحها النووي. 2. ضمان حرية الملاحة في الخليج وبحر عمان. 3. مجابهة ومواجهة سياسة إيران التوسعية في المنطقة. 4. الحد من صناعة إيران للصواريخ الباليستية، وتزويد وكلائها بالمنطقة بها، وهم حزب الله اللبناني والحوثي اليمني والحشد الشعبي العراقي. يتضح من هذه الأهداف الأربعة أنها لا تشتمل على بند خاص ينص على إسقاط النظام الإيراني. ومن التأمل في ملف حرب تحرير الكويت من احتلال صدام نلاحظ أن القوات الأميركية لم تقم بإسقاط نظام صدام بالرغم من سهولة إسقاطه. ولكن عدم وجود هدف إسقاط نظام الملالي في هذه الأزمة لا يمنع بالتأكيد من احتمال سقوطه الفعلي في حالة التصعيد ووقوع صدام عسكري بين الطرفين. وإذا أدت مثل هذه المواجهة في حال حدوثها إلى سقوط نظام الملالي فعلاً فهناك احتمال تلقائي كبير لسقوط وكلائه الثلاثة في المنطقة، وهو الأمر الذي سيعتبره البعض بمثابة هدية كبيرة تقدمها أزمة الخليج للبنان واليمن والعراق بسبب إنهائها للأعباء الثقيلة التي يضعها وكلاء إيران على شعوب الدول الثلاثة. يعتمد نجاح التحالف الدولي ضد إيران على انضمام بعض الدول الأوروبية والعربية والإسلامية وغيرها إليه. ويبدو أن بريطانيا تتجه بقوة الآن نحو الانضمام إلى هذا التحالف، وبالنسبة إلى فرنسا فإن هدف زيارة مستشار الرئيس الفرنسي إلى إيران هو تحذير طهران وليس التعاطف معها. ففرنسا أيضاً ليست بعيدة عن الانضمام لتحالف مواجهة إيران. ومن المهم التوضيح بصفة عامة أن حجم التعامل الاقتصادي الأوروبي مع أميركا يزيد بثلاثين ضعفا تقريباً عن حجم التعامل الاقتصادي لأوروبا مع إيران. ومن المؤكد في ضوء ذلك أن أوروبا ستأخذ الجانب الأميركي ضد طهران بالرغم من اهتمامها بالاقتصاد الإيراني. ويضاف إلى ذلك الرفض الأوروبي الحالي القوي لزيادة إيران لنسبة تخصيبها لليورانيوم. وفيما يتعلق بانضمام الدول العربية والإسلامية إلى التحالف الدولي ضدَ إيران فإن السعودية التي قامت مؤخراً بتنظيم عقد ثلاث قمم في مكة، سوف تنجح بالتأكيد في حشد تأييد عربي وإسلامي واسع يهدف إلى مواجهة إيران. من المهم والضروري لنجاح التحالف الدولي ضد إيران أن تبقى إسرائيل خارجه ولا تشارك به من قريب أو بعيد. وتدرك واشنطن هذا الأمر جيدا، ولقد طلبت من إسرائيل بالتصريح والتلميح والسر والعلن أن تبقى خارج الأزمة. وفي حالة قيام إيران بإطلاق صواريخ على إسرائيل فإن الرد الأميركي سيكون كاسحا على إيران. ويتشابه هذا الموقف الأميركي الحالي مع موقف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، الذي طلب من إسرائيل بوضوح عدم التدخل والرد على صواريخ صدام أثناء حرب تحرير الكويت. فمن الواضح أن إيران اليوم مثل صدام في السابق تحاول استخدام المواجهة العربية مع إسرائيل لتغطية سياستها العدوانية في الخليج. عودة إلى إنشاء التحالف الدولي لمواجهة إيران فإن تشكيل هذا التحالف لن يواجه كما أعتقد صعوبات كبيرة، ولكن الصعوبات والعقبات قد تواجه بناء التوافق الدولي الذي يتطلب ضمان حياد روسيا والصين في أزمة الخليج. ولتوضيح ذلك يمكن أن نستعيد من الذاكرة أيضا ملف أزمة احتلال العراق للكويت. فلقد حاول صدام استعطاف واستمالة الاتحاد السوفيتي السابق إلى جانبه ولكن جورباتشوف رجل البروسترايكا القوي قال لصدام عندئذ فيما معناه: ليس لأي زعيم يحتل دولة صغيرة أي تفهم أو تعاطف عندي. ولو نجح صدام في كسب دعم موسكو لربما تغيرت ظروف حرب تحرير الكويت كلها. ولكن جهود صدام لم تفلح، وأحد أسباب فشلها الرئيسية هو الدور الذي قامت به السعودية في التفاهم مع قادة الكرملين. وتسعى إيران الآن إلى استجداء واستعطاف واستمالة روسيا والصين إلى جانبها، ولكن السعودية ستعمل على إبطال جهود إيران في هذا الأمر. وإضافة إلى ذلك فإن إيران تشكل اليوم عبئاً على السياسة الروسية في سورية. وكذلك فإن هناك علاقة قوية تربط بين ترمب وبوتين ومعرفة الأخير للحدود التي لا يمكنه تخطيها في اللعب مع ترمب في هذا الموضوع. إن كل هذه الأمور ستؤدي كما أعتقد إلى فشل محاولة إيران استمالة روسيا لطرفها. وبعبارة أخرى فإن ضمان حياد روسيا والصين وغيرهما من الدول الأخرى المعنية هو أمر قابل للتحقيق ولكن بصعوبة وليس بسهولة. في نهاية المطاف فإن الضغط الدولي السياسي والاقتصادي والعسكري على إيران سوف يدفعها كما أعتقد إلى التراجع وتقديم التنازلات. وإن هناك بعض المؤشرات التي يمكن ملاحظتها في تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تظهر بين السطور والتي تدل على بداية التراجع. والمطلوب الآن هو البحث عن غطاء يحفظ ماء الوجه لإيران ويسهل عليها تقديم التنازلات.
مشاركة :