صحوة الرّوح «رحلة إلى سلامِك الدَّاخليّ» الانطلاق من عتمة الأعماق إلى رحاب النّور

  • 7/16/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

رحلة عميقة وهادئة تأخذنا فيها الكاتبة صبا يحيى عبدالرَّحمن الإرياني إلى حنايا الذات، بهدف التأمُّل واكتشاف قُدُراتنا الهائلة، وإمكان التّغيير والتّحكُّم في أفكارنا للوصول إلى واحةِ الطمأنينة النفسيَّة والسّعادة الداخليَّة. صدر الكتاب عن «الدّار العربيَّة للعلوم ناشرون». تناول العديد من المؤلَّفات كيفية الوصول إلى السّعادة والنجاح في الحياة. لكنّ أغلبها كان صعب المسالك، بعيدًا عن تحقيق الهدف من الناحية العملية. أمّا كتاب «صحوة الرُّوح» للكاتبة صبا يحيى عبدالرَّحمن الإرياني فيأخذك بتدرُّج وسلاسة من أول خطوة في مسيرته، نحوَ السَّلام الدّاخليّ الذي تغمره السَّكينة والهدوء. من أعماق بؤر الاكتئاب والإحساس بالذنب وعدم الاستمتاع بالحياة تنتشلك الكاتبة، وتخرج رأسَكَ إلى النّور لتتنفَّسَ هواء الأمل، وترتشفَ ماء الهناءة. بناءً على خبرة سابقة: أدركت الكاتبة أنَّها لا تعرف من الحياة إلّا اليَسير، وأنَّ الأعوام تمضي من دون هدف، ومن دون أمل، فاتَّجهت نحوَ المطالعة، وقرأت لمعلّمين أجانب وعرب، فتعلَّمتْ كيف تحبّ نفسها وتسامحها. كما تعلَّمتْ أنّه لا بُدَّ من اجتياز الدَّرب لبلوغ النور. كلّ ما أرادته الكاتبة الشعور بالرِّضا والسّلام. وبعد خيباتٍ متكرِّرة، عرَفتْ أنّ السَّعادة تنبع من الدّاخل، وعليها أن تأخذها فورًا، وألّا يرتبط هذا الهدف بأشخاصٍ معينين، ولا بأمور خارجة عن إرادتها، فالله منحها هذه الحياة لتعيش بسعادة، وهي لن تُضيِّع هذه السّانحة المعطاة لها! ولكنْ ما الذي يمكنها أن تفعله مع حُزنٍ يمتلكها كلّ صباح عند استيقاظها من النَّوم، وهي لا تعرف له سببًا؟ ولماذا تحمل همومًا لا أساس لها؟ وما هذا الفراغ الدّاخليّ الذي لا تعلم كيف تملأه؟ لقد حاول الكثيرون ملء هذا الفراغ باقتناء الجواهر والثياب والممتلكات، أو قضاء اللّيالي بالسَّهر أو السَّفر. لكنّ الفراغ ازداد رسوخًا واتساعًا، وتوارت السَّعادة بعيدًا. المعرفة وحدها لا تكفي، إن لم نطبّقها في عيشنا. والإيمان لا ينفعنا إن لم نمارس العبادة والصَّلاة وذكر الخالق سبحانه تعالى، على المواهب التي أودعنا إياها. إنّ أُولى الخطوات في دروب السَّلام، هو الالتزام بأداء الصَّلاة والخشوع واستحضار وجود الله، وخصوصًا عند الفجر. وفي هذه اللّحظات من السّكون تفرغ عقولنا من الضّجيج، وتصفو الأذهان، وتخفّ عن كاهلنا المسؤوليّات والمهامّ، وننصرف إلى الاستمتاع بالهدوء والرِّضا المَرجوَين. وقد أكَّد المعلِّمون المسلمون وغير المسلمين أهمية مناجاة الله في جَوف اللّيل، فهي تزيد الطاقة التي تَلزم الفرد لقضاء يومه، وقد ذكر الشَّيخ الصّوفي جلال الدّين الرّومي أن «لنسماتِ الصَّباح أسرار تبوح لك فلا تعود إلى النَّوم». عِش اللّحظة إنّ الوجود في الزمان والمكان باللّحظة عينها عملية صعبة، وتحتاج إلى قدرٍ كبير من الجُهد والتدريب، فالوجود في اللَّحظة ذاتها، هو أسلوب حياة يفتح أمامَكَ أبوابَ النَّعيم في الدُّنيا، ويضائل حجم العواصف التي تجابهك في هذه الحياة. لماذا نعيش اللَّحظة؟ لأنَّ الأمس قد مضى وأصبح ذكرى، والغد ليس سوى أُمنية في عالم الغيب، ولا وقت لدينا لنعيش ونعطي إلا الآن. ارفع رأسك وتأمَّل المكان الذي أنت فيه: تفاصيله، وألوانه، ورائحته، والأصوات التي تتردَّدُ فيه. استغرق في التأمُّل بحواسِكَ كلّها. إنَّها لحظة عظيمة مملوءة بالسّكون والأمان والجمال. كثيرًا ما نجد أذهاننا مشغولة بأفكار تتعلَّق بالماضي أو المستقبل، وتحرمنا من الاستمتاع، كمَن يأخذ أحزانَه معه إلى احتفال أو مناسبة فرح، فلا يشعر بالبهجة وحلاوة الصُّحبة. أو كمَن يقضي وقتَه مع أصدقاء وذهنه مشغول بتفسير أفعالهم وأقوالهم، ومحاولة إيجاد ما يمكن أن يكدّر صفوَه، أو كمَن يسير يوميًا إلى مقرّ عمله وهو سارح في التخطيط لعمله، فتفوته مشاهد جمال الطبيعة بأشجارها وزهرها، وأصوات الطيور السّابحة في الفضاء، فيصل إلى العمل من دون أن يلحظ كيف وصل! إنّ تدريب وعينا بالكامل للحظة التي نعيش فيها، هو أسلوب حياة. وعندما تحضِّر ذهنك برفق لعيش لحظة، فإنَّك ترى محيطك بشكلٍ أوضح: تصبح الألوان أكثر وضوحًا والأصوات أشجى نغمًا، والرّوائح أقوى تنشّقًا والمشاعر أقوى إحساسًا. ممارسة التأمُّل ممارسة التأمُّل هي الوسيلة الفُضلى للتخلُّص من الضغوط وإعادة الهدوء والاسترخاء، فنعيش بسلام، ونتمتَّع بصفاء ذهنيّ يمكِّننا من الخلق والإبداع. والتأمُّل هو تمرين العقل كالرياضة التي تمرِّن عضلاتنا. نحن نخضع لسيطرة الأفكار التي تتلاحق في أذهاننا بشكلٍ متواصِل لا يتوقَّف، ومجرَّد محاولة توقيف قطار الأفكار المتلاحق في ذهننا، هو فكرة في حدّ ذاتها. لذلك عليك أن تتفرَّج على قطار أفكارك من الخارج والانفصال عنه، فأنت لست القطار، أنت المراقب فقط. ومرَّة إثر مرَّة، ستزداد المسافة بُعدًا بينك وبين قطار أفكارك، وسيحلّ السّكون والصَّمت ولو لثوانٍ قليلة. وثمَّة تدريبات كثيرة للتأمُّل، ومن أجملها المشي في الطبيعة، وعدم التفكير في أي شيء سوى تأمُّل الأشجار والأزهار والحشرات، والاستمتاع بهدير الأمواج وزقزقة العصافير. العزلة والصَّمت الصَّمت هو صوتُ الحكمة، وممارسته هي الانعزال عن النّاس فترة من الزَّمن. والرُّوح تعشق الصَّمت، فتصفو وتبتهج وتتصل بخالقها لتبقى معه وَحده. ينشِّط الصَّمتُ مراكزَ الإبداع في المخ، ويُدخل العقل في حالة رائعة من الهدوء الذهنيّ والسَّكينة، فيسمح بتدفُّق الأفكار الملهمة. وممارسة الصَّمت تُعلِّم حسنَ الاستماع والإصغاء، وتعطي القُدرةَ على التحكُّم بألفاظنا وحُسن اختيارها، كما تساعدنا على معرفة ذاتنا بشكلٍ أعمق، فتزدادُ ثقتنا بأنفسنا، فلا يعود يهمّنا رأي الناس بنا إذا كان سلبيًّا. التنفُّس الصّحيح تأمَّل تنفُّسَكَ الطبيعيّ بعفوية، من دون أن تحكُم على الطريقة التي تتنفَّس بها. وجِّه انتباهكَ فقط إلى حركة جسدكَ وارتفاع صدركَ في أثناء الشَّهيق، وإحساسك بالهواء يدخل من أنفك ليملأَ رئتَيك، ومن ثم هبوط صدرك عند إطلاق الزفير والإحساس بتيار الهواء وهو يخرج من أنفِكَ أو فمك. في هذه الثواني أنت تصرف انتباهِكَ عن الأفكار التي تعكِّر صفوَكَ، والتي قد تكون سببًا للقلق والتوتُّر والخوف، وتحوّله إلى الدّاخل، حيث السّكون والهدوء المُطلق. ابدأ بممارسة التنفُّس مرَّة في اليوم، ثمّ كرّرها كُلَّما تذكّرت، حتى تصبح عادة لديك، فيستيقظ في داخلك الوَعي، ويزداد وجودك في اللَّحظة التي تعيشها بصفاء. السَّلام الدّاخليّ كلّ ما يدور في العالم من حروبٍ ومآسٍ، ما هو سوى نتيجة انقطاع اتِّصال البشر بالسَّلام، فكلُّ هذه العدائيَّة والحقد والكراهيَّة في قلوب البشر، قطَّعت قنوات الاتّصال بينهم، فأصبحنا نعيش في ظُلُمات الحروب والعنف والبؤس، فماذا يمكن أن نفعل للعالم لينعمَ بالسَّلام؟ لا شيء، لا نفعل شيئًا للعالم، بل لأنفسنا في أنفسنا. إنَّ «صحوة الرُّوح»، كما وصفَتها الكاتبة، تكمن في ذواتنا وفي قدرتنا للوصول إلى سلامنا الدّاخلي، وعندها ينتقل هذا السَّلام إلى سائر أفراد البشر!

مشاركة :