بارع.. وثيقة الحرف الوطنية - فاضل العماني

  • 4/12/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تُقاس المجتمعات والشعوب والأمم المتطورة، بما تُقدمه من علوم ومعارف وآداب وفنون وحرف وإبداعات وإنجازات وخدمات، وبما تملكه من ثروات وطاقات وإمكانات مادية وبشرية، إضافة إلى ما تتمتع به من تنوّع وتعدّد وتمايز حضاري وإنساني وثقافي وتراثي. ولعل أكثر الصفحات الخالدة حضوراً في سجل التاريخ البشري، هي الإرث الإنساني والقيم الحضارية التي ترصد وتوثق الهوية الوطنية لتلك المجتمعات والشعوب والأمم، ومن أبرز تلك الموروثات والقيم والثقافات التي تعاهدتها الأجيال عبر القرون الطويلة، هي الحرف والصناعات اليدوية. في مدة قصيرة، لا تتجاوز ال سنوات، حقق برنامج "بارع" الحرفي الكثير من الإنجازات والخطوات والمبادرات، سواء على الصعيد المحلى أو الخارجي. وبارع، برنامج أطلقته الهيئة العامة للسياحة والآثار، بهدف الحفاظ على الحرف والمهن والصناعات التقليدية التي تزخر بها بلادنا الجميلة. ولقد استطاع هذا البرنامج الطموح، أن يُعيد لهذه الصناعات والمشغولات اليدوية، وهجها وحضورها وجاذبيتها. وتُمثل الحرف التقليدية والصناعات اليدوية، إرثاً وطنياً يعكس الهوية الثقافية والأصالة الوطنية لهذه الأرض الممتدة على كل الاتجاهات والتي تملك تنوعاً وتعدداً حضارياً وثقافياً وإنسانياً وجغرافياً وبيئياً وتراثياً وفلكلورياً، لا مثيل له على الإطلاق. وطننا، أشبه بباقة ورد فُسيفسائية بديعة المنظر ومتناغمة الألوان. بارع، مشروع وطني رائع، حقق الكثير من الطموحات والتطلعات والإنجازات، رغم أنه في بداية المشوار، ويضم فريقاً وطنياً ملهماً عاشقا للتراث، يسعى إلى تحقيق رؤية عميقة واستراتيجية واضحة لإنجاح هذا البرنامج الوطني المهم. ولكن، بارع لن ينجح منفرداً، ولن يستطيع مساعدة ألف حرفي وحرفية، والحفاظ على حرفة وصناعة يدوية، وتقليل متوسط قيمة الواردات السنوية للوطن التي تتجاوز ملياراً ونصف المليار ريال من الصناعات الحرفية التي تُغرق أسواقنا الوطنية، وكذلك إعادة القيمة والمكانة والاعتبار لهذا القطاع الحيوي المهم، إلا بتظافر الجهود من قبل العديد من الجهات والقطاعات والمؤسسات، الرسمية والخاصة.. إذ لابد من عمل مشترك، وعلى أكثر من صعيد، للنهوض بهذه الصناعة المهمة التي تُسهم في إحداث تنمية شاملة ومستدامة في وطننا. إن الحرف والصناعات والمهن والمشغولات التقليدية، أصبحت الآن رافداً اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، غاية في الأهمية والتأثير والإلهام، وليس مجرد صورة تراثية أو تحفة يدوية أو أكلة شعبية، نتغنى بها لنتذكر أيام الزمن الجميل. قطاع الحرف والصناعات اليدوية، مستقبل واعد ومخزون هائل من الفرص الوظيفية ومصادر الدخل لجميع فئات المجتمع، لاسيما الشباب والأسر المنتجة. سأعرض بعض النقاط، التي أجدها مهمة لدعم ومساندة برنامج بارع، لكي يحقق أهدافه وخططه وطموحاته، بالشكل الذي نتمناه جميعاً: أصبح من الضروري، إنشاء معاهد متخصصة لتعليم وتدريب وتطوير الحرف اليدوية في كل مناطق الوطن. فمناهج التعليم العام، تخلو للأسف الشديد، من الصور والتعريفات والإشارات عن هذه المهن والحرف التي امتهنها الأجداد والآباء، لذا بات من الضروري غرسها في نفوس طلابنا، كذلك وجود خطط تدريبية لممارسة الحرف والمهن في المدرسة، بحيث لا يتخرج الطالب إلا وقد أتقن حرفة يدوية. تسهيل الحصول على تصاريح العمل للحرفيين والحرفيات، خاصة في المنازل. وجود أماكن مخصصة لعرض وبيع وتسويق المنتجات الحرفية في مراكز التسوق والفنادق والمطارات. كما أن الإعلام بوسائله ووسائطه المتعددة، بحاجة ماسة لممارسة دوره الحقيقي لتسليط الضوء على هذا القطاع المهم عن طريق إنتاج البرامج والتقارير والأفلام الخاصة بالحرف والصناعات التقليدية. القرار السامي الذي أُقر قبل مدة، بأن تكون هدايا قطاعات ومؤسسات الدولة من المنتجات الحرفية، بحاجة لتفعيل وتنفيذ، لأنه لم يُطبق حتى الآن. هذا القطاع الواعد، بحاجة لنقابة أو هيئة خاصة بالحرفيين والحرفيات لإدارة وتنظيم وتطوير هذا القطاع المهم. وجود تمويل مالي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لمساعدة الحرفيين لبدء مشاريعهم الخاصة. حماية العلامة التجارية للمنتجات الحرفية، والتخطيط لوجود صناعة حرفية سعودية تُنافس وتتفوق على المنتجات الحرفية الخارجية. أيضاً، لماذا لا يكون ملتقى ومعرض السفر والاستثمار السياحي في مختلف المدن السعودية الرئيسية؟ حان الوقت، لأن نفكر جدياً، في تصدير منتجاتنا الحرفية وصناعاتنا اليدوية للخارج. * نُسافر إلى كل بقاع العالم، ونعود محملين بالهدايا والتحف والمشغولات والصناعات اليدوية التي تعكس مظاهر التقدم والتطور والأصالة لتلك المجتمعات والشعوب والأمم، بينما لا تجد الملايين التي تزورنا ما تدسه في حقائب العودة من تذكارات وهدايا ومنتجات حرفية تحكي قصة هذه البلاد الرائعة!

مشاركة :