استأنف المبعوث الأميركي دونالد بوث تحركاته على الساحة السودانية فيما بدا محاولة لدفع كل من المجلس العسكري والتحالف المدني الممثل في قوى الحرية والتغيير للمضي قدما في الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 5 يوليو الجاري برعاية أفريقية إثيوبية، بعد بروز صعوبات أجلت التوقيع عليه. والتقى بوث الاثنين رئيس المجلس العسكري بالسودان عبدالفتاح البرهان، وذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية أن اللقاء ركز على تطورات عمليات المباحثات الجارية بين المجلس وقوى الحرية والتغيير، بهدف إتمام الاتفاق الذي سيتم بموجبه تشكيل سلطة انتقالية تخرج البلاد من براثن أزمة سياسية اندلعت عقب إسقاط حكم نظام الرئيس عمر البشير. ووصف المبعوث الأميركي لقاءه بالبرهان بـ”الجيد والمثمر”. معربا عن تفاؤله بقرب تحقيق السودانيين لأحلامهم بتشكيل حكومة بقيادة مدنية ورئيس وزراء مستقل. وكشف بوث أنه بصدد التحدث مع جميع الأطراف في هذا الشأن، مؤكدا أن الولايات المتحدة “مهتمة وملتزمة بمساعدة السودانيين في الوصول لاتفاق بشأن ترتيبات الفترة الانتقالية”. وفي 13 يونيو الماضي، أعلنت الخارجية الأميركية تعيين الدبلوماسي دونالد بوث مبعوثا خاصا إلى السودان. ولعبت الولايات المتحدة دورا مؤثرا من وراء الستار للمساعدة في إنجاح الوساطة الأفريقية الإثيوبية التي ساهمت في التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف الحرية والتغيير الذي قاد مظاهرات الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير. وكان وسيط الاتحاد الأفريقي، محمد الحسن ولد لبات، أعلن الجمعة أن الطرفين توصلا إلى “اتفاق كامل على الإعلان السياسي المحدد لكافة هيئات المرحلة الانتقالية”. وأضاف أنهما اتفقا على الاجتماع السبت للدراسة والمصادقة على وثيقة الاتفاق والإعلان الدستوري، لكن الاجتماع تأجل إلى الأحد، ثم الثلاثاء، بطلب من قوى الحرية والتغيير. وتسود حالة من الترقب والحذر إزاء جلسة المفاوضات المرجحة الثلاثاء، وما ستسفر عنه من نتائج، لاسيما في ظل تباين وجهات نظر الأطراف حول بعض بنود وثيقة الإعلان الدستوري في صيغتها النهائية. وأوضح مصدر بقوى التغيير لموقع “سودان تربيون” أن طلب التأجيل أملته الحاجة لمزيد من التشاور على وثيقة الاتفاق التي سلمها الوسيط والتي تحمل الإعلان السياسي والدستوري المقيد لعمل الفترة الانتقالية. وأفاد مسؤول آخر بالتحالف بأن أحد أسباب المطالبة بالتأجيل انتظار ما ستثمر عنه جولة أديس أبابا الخاصة بالمشاورات بين وفد التحالف المدني وحركات مسلحة. وبرزت خلافات حول الإعلان الدستوري أهمها البند الذي يتحدث عن منح حصانة مطلقة لرئيس وأعضاء المجلس السيادي من أي ملاحقة قانونية خلال سنوات الفترة الانتقالية الثلاث. وأثارت المادة 15، ضمن الفصل الرابع المتعلق باختصاصات مجلس السيادة (أحد أجهزة الحكم خلال المرحلة الانتقالية)، أيضا جدلا على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أعطت المجلس حق تعيين رئيس مجلس الوزراء. وتنص المادة على أن “مجلس السيادة يعين رئيس مجلس الوزراء، بعد ترشيحه من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير”. وهو أمر لم يكن متفقا عليه مسبقا، خاصة وأن شخصية عسكرية ستتولى رئاسة مجلس السيادة خلال أول 21 شهرا من أصل 39 شهرا، وهي الفترة المقترحة لمرحلة انتقالية تعقبها انتخابات. وقال قيادي في قوى التغيير “وفقا لجلسات التفاوض السابقة، فإن قوى التغيير هي التي تعين رئيس الوزراء، على أن يعتمده مجلس السيادة، وليس مجلس السيادة هو الذي يعينه”. ومن النقاط التي أجلت توقيع الاتفاق غياب تحديد نسب توزيع مقاعد البرلمان الانتقالي، واكتفت الفقرة 2 من المادة 23 بالنص على أنه “يتكون المجلس التشريعي من قوى إعلان الحرية والتغيير والقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، والتي تتم تسميتها وتحديد نسب مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى التغيير ومجلس السيادة”. وتتمسك قوى الحرية والتغيير بـ67 بالمئة من مقاعد البرلمان التي سبق وأن تم الاتفاق بشأنها مع المجلس العسكري. ويتولى المجلس العسكري السلطة منذ أن عزلت قيادة الجيش في 11 أبريل الماضي عمر البشير من الرئاسة (1989-2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية. ويرى مراقبون أن دخول واشنطن على الخط قد يكون عامل ضغط إضافي لتسريع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير توقيع الاتفاق الذي يأمل السودانيون في أن يقود البلاد التي تمر بوضع اقتصادي وأمني دقيق إلى بر الأمان.
مشاركة :