بعيدا عن السائد في ما اصطلح على تسميته “الفن الشبابي” الذي يعتمد خاصة في فن الغناء على تقديم الأغاني السريعة الإيقاعية التي لا تقدّم غالبا أي قيمة فنية مضافة، ينتهج آخرون من جيل الشباب، خطا فنيا مغايرا، يؤكدون فيه أن فيهم من يعرف تماما قيمة الموسيقى ومعنى أن يقدّموا الراقي والمفيد، من هؤلاء الموسيقيين الشباب الفنان السوري كنان أدناوي عازف العود المتميز، الذي ينتمي إلى مجموعة من الفنانين الذين يجهدون في الوصول بالموسيقى نحو آفاق جديدة واسعة الطيف والتقدّم. فالعازف السوري الذي تفوق في دراسته الأكاديمية العالية، خاصة في آلة العود علاوة على موهبته، عمل على الوصول بهما إلى عوالم بعيدة وعميقة، من حيث طريقة التعامل مع تقنيات العزف أولا، ومن حيث عصرنة الشكل الموسيقي التراثي لعدد من المقطوعات الشهيرة ثانيا، معتمدا في كل ظهور جديد له على تقديم ما هو مُغامر. وفي حفله الأحدث الذي قُدّم في أوبرا دمشق مؤخرا، تابع أدناوي جدله الموسيقي الذي اعتاد على تقديمه، ففي الأمسية، قدّم الفنان كنان أدناوي بمشاركة العازفين محمد نامق على التشيللو وعمران عدرة على القانون والمغنية ليليان خير بك مجموعة من المقطوعات الموسيقية المؤلفة والتراثية. وفي الحفل استعرضت الفرقة مقطوعات في عدة أشكال: تقاسيم، رقصة، سماعي وأغنية قدم فيها كنان مقطوعات عزف منفردة، ثم مقطوعات بمشاركة عازفي القانون والتشيللو ظهرت فيها التقنية العالية التي يتقنها في العزف واستفادته من التجارب الموسيقية السابقة التي قدّمها في العديد من دول العالم. وظهرت منذ اللحظات الأولى لبدء الحفل، غياب الآلات الإيقاعية، حيث كان الاعتماد على الإيقاع الداخلي في المقطوعات التي تناوبت آلتا العود والتشيللو على إبرازه، إذ تبدأ آلة العود في العزف بطريقة موقعة، لتلحق بها الآلتان الأخريان، ثم تتشارك الثلاث في قسم محدد من العزف، لتعود وتنفرد إحدى الآلات بتقديم تفريدات محددة، ويذهب فيها العازف بعيدا جدا في الارتجال، مبرزا إمكانية بوح آلته ومهاراته في العزف، ليتم الوصول إلى نقطة التسليم، حيث تعود الآلتان الأخريان للعزف المشترك مع الآلة المنفردة، ثم تنتهي المقطوعة.كنان أدناوي، سليل بيت موسيقي عريق، علّمه شقيقاه معمر وممدوح العزف على آلة العود، ثم درس في المعهد العالي للموسيقي وتخرّج منه، ليتابع دراسته في الولايات المتحدة. ومحمد نامق عازف آلة التشيللو، فهو العازف الأول للآلة في الفرقة الوطنية السيمفونية السورية وكذلك الفرقة العربية السيمفونية، وأستاذ الآلة في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وكذلك العازف عمران عدرة الذي تخرّج عام 2015 من كلية الهندسة الميكانيكية والمعهد العالي للموسيقى بدمشق، وهو مدرس آلة القانون في المعهد الذي تخرّج منه وعضو في الفرقة السيمفونية الوطنية. أما المغنية ليليان خير بك، فهي بعد تخرّجها من كلية الصيدلة في العام 2016 تتابع حاليا دراستها في المعهد العالي للموسيقى، وكذلك في فرنسا في اختصاص الغناء الأوبرالي. ويرى كنان أدناوي صاحب مجموعة “جو” التي أّسسها منذ فترة قريبة أن الموسيقى العربية التقليدية بما تحتويه من أشكال موسيقية عديدة، قادرة على تقديم إبداع مختلف وعميق من خلال تبنّي ما وصل إليه الأسلاف من طرق العزف ودمجها بالأساليب الجديدة التي وصل إليها العازفون الجدد، والذين يمتلكون بدورهم مهارات خاصة وعالية المستوى من خلال الدراسة الأكاديمية والتجارب التي اكتسبوها في الداخل أو الخارج. ويقول “الموسيقى التقليدية عميقة، ومن خلال استخدام التقنية العالية والجديدة نستطيع الوصول بها إلى آفاق بعيدة”. وقدّم أدناوي في حفل دار الأوبرا بدمشق العديد من المقطوعات التي ألفها سابقا على آلة العود، أو من المقطوعات التراثية التي يعرفها الجمهور تماما، فقدّم من موسيقاه مقطوعات: وعود، ومدى، وسماعي كرد، ومن مقام النهوند، تحية، والحصاد، وحكاية حب، ورقصة وطريق دمشق. أما في الأغاني التراثية فقدّم بمشاركة ليليان: هالأسمر اللون، لما بدا يتثنى والبنت الشلبية. ويحرص كنان في ما يقدّم من أعمال موسيقية في العزف على العود، أن يضمّن أعماله مقطوعات تراثية ولكن بروح جديدة، وهو يرى أنه “يجب الإفادة من هذه المقطوعات القديمة التي هي في ذاكرة الناس، ومن خلالها نقدّم الجديد في التعبير لكي يشعر المستمع لما هو جديد ومختلف، والعمل على التجريب أمر هام، وتقديم التراث بشكل أكاديمي جديد هو أحد الجسور التي تربط الأجيال الموسيقية المتلاحقة بعضها ببعض”. وفي حفل الأوبرا الأحدث يثبت كنان أدناوي ومشاركيه أن عددا قليلا من العازفين العارفين بقدراتهم وقدرة الموسيقى التي يقدمونها كفيل بتقديم ما هو مبهر وناجح، فعبر أربعة موسيقيين متخصصين في العزف والغناء، قُدّم حفل راق، تضمن مقطوعات وأغنيات لاقت استحسان الجميع وقوبلت بتصفيق حار من الجمهور الذي تابع السهرة.
مشاركة :