يجيد العرب علماءً كانوا أو غيرهم بحسب الباحث والمستكشف الدانمركي كارستن نيبور أن يحسبوا على أصابع اليد الأبراج الاثني عشر، فضلا على اطلاعهم على وجوه القمر، لكن معظمهم يجهل سير النجوم ويتساءل في كتابه (وصف أقاليم شبه الجزيرة العربية) أثناء قدومه لجزيرة العرب ضمن مجموعة من العلماء الدانماركيين في العام 1762م كيف لنا أن نتوقع ذلك؟ إذا ما علمنا أن عددا بسيطا من علماء الفلك المسلمين يعرفون جيدا وضع السماء ويستعلمون عن الموضوع من كتاب عبدالرحمن الصوفي "صور الكواكب" الذي يضم المجموعة الكوكبية كلها. في الترتيب نفسه الوارد في كتاب باير ويمضي إلى أن علماء الفلك التابعين لسلطان قسطنطينية روزنامة سنوية يحملونها دوما معهم وقدم له حسب قوله مترجم السلطان واحدة من روزنامات الجيب تلك ولم يكن قد شاهد روزنامة عربية من قبل، إذ قلما يهمهم في مصر واليمن أن يحددوا الفصول للناس الذين يعرفون موعد العيد الكبير قبل 24 ساعة من حلوله، ويذكر أنه في العام 1762م ظن سكان القاهرة أن القمر سيرى في 25 آذار وأن رمضان سيبدأ في تلك الليلة ولما لم يطلق مدفع القلعة قصد هؤلاء دار القاضي ليسألوه إن كان عليهم أن يبدؤوا الصوم؟، أكد لهم القاضي أن القمر لن يهل قبل 26 ورغم ذلك بدأ الكثيرون صومهم تلك الليلة حتى لا يقال أنهم قصروا في واجباتهم. في هذه الأثناء سافر العالم فرسكال "أحد أعضاء البعثة الدانمركية" برا من القاهرة إلى الإسكندرية وراح الناس يسألونه في كل بلدة متى بدأ شهر رمضان في القاهرة؟، وعرف أن بعض القرى بدؤوا الصوم قبل يوم من دخوله، وفي بعضها بدؤوا بعد يوم، وبالتالي اختلف موعد بدء الشهر بين القرى نظرا لبعد المسافات. ومع تأكيده أن العرب لا يجيدون إلا لغتهم وبالتالي جهلهم باكتشافات علماء الغرب الحديثة في علم الفلك ولا على الإصلاحات التي أدخلت إلى الحسابات المتعلقة بهذا العلم إلا أنهم وجدوا في مدن الشرق الكبرى بعض المثقفين الذين يجيدون تحديد كسوف الشمس وخسوف القمر وفقا لجداول "أولوغ باي" ويستعين المجوس أو عابدو النار الذين استقروا في السورات وبعض مناطق الهند بعد أن طردهم المسلمون من أرضهم بنفس الجداول ويشاع أن البرهمان في الهند بالغوا أكثر من المجوس والمسلمين في دراسة العلم الفلكي وأراد الإنجليز الذين قابلهم كما يقول إقناعه في هذا الإطار أن البرهمان تكهنوا بأشياء مثيرة للدهشة مثل تحديد قدر بعض الأشخاص أو غرق بعض السفن ولكنه قابل كما قال نماذج منهم في الهند يستخدمون آلات رصد غير دقيقة واقتنع بأنهم لا يحملون علما يوثق به. ويقول في الأخير إن علماء الفلك ومنهم العرب يعرفون جيدا أن ظل الأرض يسبب خسوف القمر وأن تمركز القمر بين الأرض والشمس يسبب كسوفها ويظن عامة الشعب أنه عندما تسود الأجسام السماوية تلاحقها سمكة كبيرة "حوت" لذلك يصعد النسوة والأولاد إلى السطوح حاملين أوعية معدنية، ويضربون عليها لأحداث جلبة وجلجلة بغية طرد السمكة ثم يقول: لقد رأيتهن سعيدات للغاية في تلك الساعة وخطر لي أنهن يستمتعن بتلك الموسيقى البسيطة أو يحاولن دعوة الجيران لمشاهدة الخسوف مبينا أن لهذه الطقوس والموسيقى قصة قديمة تتمثل في أن عالما فلكيا من العرب يدعى ناصر الطوفي حدد موعد خسوف القمر آملا أن يكافئة الخليفة أو سلطان البلاد إلا أن مجالسي السلطان سخروا منه بشدة مدعين أن هذه الأحداث لا يمكن التكهن بها متهمينه بأنه يريد أن يجعل من نفسه نبيا. ولما لم يلق علمه حظوة لدى السلطان استغل خرافات الشعب وأقنع الجميع بأن سمكة كبيرة ستلتهم قمرهم، وأن الله سيرضى على كل من يحدث جلبة بواسطة الأواني المعدنية بغية إخافة السمكة التي ستلاحق القمر، ولما حصل الخسوف الذي تنبأ به في الوقت الذي لم يتنبه به السلطان أعطى الإشارة لنفسه بأحداث الجلبة وعند ما سمع الجيران الذين اعتادوا النوم على السطوح، بدؤوا بضرب الأواني وضجت الشوارع لتنجح الحيلة في بلوغ الضجيج قصر الخليفة الذي استيقظ في هذه الساعة وأيقن أن حسابات ناصر الطوقي كانت صحيحة. وفي السياق نفسه يخبرنا أنه خلال إقامته في البصرة حدث خسوف للقمر، كان الشعب على علم مسبق بالخسوف لأن هناك من توقع حصوله قبل 24 ساعة، كان القمر مغطى بغيمة كبيرة قبل الموعد فظن البعض أنه الخسوف وراحوا يضربون الأواني، لكن الضجيج لم يدم طويلا لأن الأهل أخبروا أولادهم أن غيمة تخفي القمر، ولم تلاحقه السمكة الفتاكة بعد. ويذكر في الختام أنه لم يسمع شيئا من هذه الطرطقة كما أسماها أثناء إقامته في جدة.
مشاركة :