«عاصفة الحزم» جرس إنذار فمتى يستيقظ العالم

  • 4/12/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

** كانت السياسة الخارجية السعودية ولا تزال من أكثر السياسات حنكة وخبرة على الصعيدين العربي والدولي، فقد كانت على دراية تامة بما يخطط لأمتيها العربية والإسلامية من مخططات دولية وإقليمية، وقد فضلت السياسة السعودية أن تدير صراعاتها بالطرق الدبلوماسية وعن طريق القوة الناعمة التي تمكنت في الكثير من الظروف من حسم المواقف لصالحها وصالح أمتيها العربية والإسلامية. ** وقد وعت المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة المتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي في آن واحد، وأدركت منذ بداية الثورة الإيرانية وخروج الشاه من طهران وقدوم الطائرة الفرنسية من باريس حاملة معها الخميني، أن هناك لعبة جديدة، تسعى إلى إثارة الفوضى الشاملة في المنطقة، وأن إيران ستكون الأداة الرئيسية لهذه اللعبة. ** كانت اللعبة ــ كما وعتها المملكة العربية السعودية ــ تقوم على إلغاء البعد الفارسي الذي كان يمثله الشاه واستبداله بالبعد الطائفي الذي يمثله الخميني والمؤسسة الدينية التي قامت على أنقاض المؤسسة العسكرية البهلوية. لذلك كان الموقف السياسي السعودي واضحا تجاه هذه التحولات، وكان حاسما في دعم كل المحاولات التي يمكن أن تقف في وجه هذا الدور الخطير الذي يواجه الأمتين العربية والإسلامية. ** منذ وصولها إلى السلطة، بدأت الثورة الخمينية تحلم بإقامة ما يعرف بالهلال الشيعي الذي يمتد ليشمل العراق وسورية ولبنان تحت غطاء الأكذوبة الكبرى، وهي أكذوبة مناصرتها لقضايا العالم الإسلامي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إذ أخذت تتبنى خطابا سياسيا علنيا تدغدغ مشاعر الملايين من المسلمين وتعبث عن طريقه بعواطفهم. ** وقد انطلت هذه الخديعة على العديد من الدول والشعوب، مما ضاعف مسؤولية الوقوف في وجه هذه الهجمة الطائفية البغيضة، ولكن العين السعودية الحارسة لأمتيها العربية والإسلامية لم تهن ولم تضعف في الوقوف في وجه هذه المؤامرة الكبرى التي تسعى إلى تدمير العالمين العربي والإسلامي، وراحت تخوض صراعها معها بالطرق السياسية بالرغم من مجاهرة إيران بعدائها لكل ما هو عربي وإسلامي، وقد نجحت السعودية في الكثير من هذه الصراعات، ولو تمتعت الأمة العربية والإسلامية ببعد النظر للسياسة السعودية لتمكنت هذه الدول بقيادة المملكة من أن تئد المؤامرة في مهدها، ولكن الظروف الإقليمية والدولية غلبت البعد التآمري للخديعة الإيرانية على حكمة التعامل مع حلقات هذه المؤامرة لكسرها واحدة بعد الأخرى. ** لقد قامت المؤامرة الإيرانية على تأسيس منظمات وهيئات تدعي نصرة المظلومين والمحرومين في إطار البعد الطائفي، فأقامت حزب الله في لبنان، بعد أن قضت على كل أشكال المقاومة الأخرى هناك، وأحكمت نفوذه، بحيث أصبح مهيمنا على تلك الساحة وصاحب اليد الطولى فيها. وعقدت تحالفا طائفيا مع النظام العلوي في دمشق، واستفادت من المتغيرات التي أعقبت حرب الخليج، فلعبت على وتر الصراع الشيعي السني في تلك البلاد، واستطاعت أن تفرض هيمنتها على الحكومات العراقية المتعاقبة، ما أغراها بإمكانية تأسيس النواة الأولى لمشروعها الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسورية وانتهاء بلبنان. ** كانت المملكة العربية السعودية تعي أبعاد هذه المؤامرة الكبرى، وتدرك أنها إذا ما أتيحت لها الفرصة وتهيأت لها الظروف الإقليمية فإنها لن تتوقف عن إكمال دائرة هلالها الطائفي، وقد سنحت لها هذه الفرصة في الانقضاض على اليمن من خلال اللعب على البعد الطائفي فيه لتجعل من الحركة الحوثية المدعومة بأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح القوة المهيمنة على الساحة اليمنية. ** لم يكن التعقل السعودي في معالجة أزمات المنطقة التي أثارتها إيران بالدرجة الأولى ناجما عن عجز عن المواجهة، فالمملكة العربية السعودية تمتلك من القدرات والطاقات السياسية والعسكرية والنفوذ الدولي والإقليمي ما يمكنها من مجابهة إيران، ولكن المملكة كانت تسعى بالدرجة الأولى إلى إطفاء النيران التي أشعلتها إيران والقوى الإقليمية والدولية في هذه المنطقة من العالم. كما كانت تسعى ــ في الوقت ذاته ــ إلى تقليم أظافر القوى الإقليمية المتحالفة مع إيران، عن طريق القوة الناعمة التي تتمتع بها المملكة. ** والمتتبع للصراع في المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي يدرك الدور الكبير الذي قامت به المملكة السعودية من أجل إخماد الحرائق والحد من التغلغل الإيراني فيها، فقد كانت المملكة العربية السعودية من أهم الداعمين لصد الهجمة الإيرانية الشرسة على العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، وكان لها الدور الأبرز في تحقيق الانتصار العراقي في تلك الحرب، ولكن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام العراقي السابق، قلبت كل المعادلات في المنطقة، وأثارت القوى الدولية عليه، لتستغل إيران الفراغ وتعود للتغلغل من جديد في الساحة العراقية، عن طريق القوى الطائفية التابعة لها والمؤتمرة بأمرها. ** كما لعبت المملكة العربية السعودية دورا بارزا في إطفاء حريق الحرب الأهلية في لبنان؛ لأنها كانت تدرك أن إيران كانت تسعى لاستغلال هذه الحرب من أجل التغلغل في تلك الساحة عن طريق حليفها حزب الله، وكان اتفاق الطائف شاهدا على الدور السعودي البارز في تلك الأزمة. ** كانت المملكة العربية السعودية تعي أبعاد المؤامرة الإيرانية على لبنان، فقد سعت إيران إلى استغلال الغزو الإسرائيلي للبنان من أجل تسليح حزب الله لتجعل منه القوة العسكرية الوحيدة القادرة على الحسم، وقد تحقق لها ذلك من خلال المعارك الوهمية التي خاضها الحزب مع إسرائيل كي تتدفق عليه الأسلحة الإيرانية، ليس من أجل حسم الصراع مع إسرائيل، وإنما من أجل حسم الصراع الطائفي في الساحة اللبنانية، لتصبح تلك الساحة تحت الهيمنة الإيرانية بالكامل. ** وخلال الأزمة السورية، وعت المملكة العربية السعودية أن هذه الساحة ستشهد ما شهدته الساحة العراقية بعد حرب الخليج، وأن التحالف السوري الإيراني الذي كان قائما بين دولتين قبل الأزمة سيتحول إلى هيمنة إيرانية تامة على صنع القرار في سورية، وأن النظام السوري إذا قدر له أن ينتصر في هذه الأزمة، فانه سيكون محمية إيرانية؛ لذلك سعت المملكة من أجل حسم الصراع مع النظام السوري لصالح الشعب السوري، ولكن ــ للأسف الشديد ــ لم يكن لدى القوى الدولية نفس التصور الحكيم الذي تتمتع به السياسة السعودية، ولم تنتبه تلك القوى إلى خطورة الأمر، إلا بعد أن اكتوت بنار أخطائها ولم تتحرك لحسم الأمر في تلك الساحة وإزاحة النظام بأقل الخسائر. ** كانت المملكة العربية السعودية تعي تماما أن نجاح التجربة الإيرانية في لبنان وسورية، من خلال تجييش القوى التابعة لها في البلدين، وأنها ستقوم بتكرار التجربة في الساحة اليمنية، وأنها ستسعى لاستغلال الفراغ السياسي في اليمن، من أجل خلق قوة قادرة على الهيمنة على السياسة اليمنية، وبالتالي الانقضاض على السلطة، لإكمال مشروع الهيمنة الإيراني؛ لذلك بادرت المملكة إلى احتواء الأزمة من البداية من خلال المبادرة الخليجية التي جمعت القوى المتصارعة على الحكم في اليمن، ونجحت إلى حد بعيد في هذا الأمر، لكن إيران استغلت الصراع على السلطة، وسلحت الطائفيين الحوثيين لتجعل منهم قوة قادرة على حسم الصراع لصالحها، كما لعب الرئيس السابق علي عبدالله صالح دورا مشينا، حين عض اليد السعودية الخليجية التي امتدت لإنقاذ حياته، ومدت له طوق النجاة في أشد لحظات الصراع، وتحالف مع الحوثيين من أجل إسقاط نظام خرج من تحت عباءة نظامه، خوفا من قيام النظام بتقليم أظافره من خلال حل مراكز القوى التابعة له، والتي ظل لها نفوذها الكبير في السلطة الجديدة. ** هذا الموقف الذي لا يتحلى بأدنى درجات المسؤولية، والذي يمثل غباء سياسيا بامتياز، سيكون وبالا على علي عبدالله صالح وأنصاره، ذلك أنه شكل رأس الحربة للغزو الحوثي لبلاده، كما أنه يشكل الدرع البشري الذي تقف خلفه قوات الحوثيين، ولذلك فإن الضربات ستوجه في المقام الأول لقواته، وستكون أكبر الخسائر بين قواته، كما أنه لن ينجو من مكر الحوثيين الذي سينقلبون عليه في أول منعطف من منعطفات الحرب، ليكون الضحية الأولى لهم. ** لقد كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال تعمل لإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة، وكانت تخوض هذا الصراع وحدها في غياب التضامن العربي والرؤية العربية المشتركة لهذا الخطر الكبير الذي يهدد المنطقة بكاملها، وكانت تأخذ هذا الصراع على محمل الجد، مع أن هذا الخطر لم يكن موجها لها وحدها وإنما لكل القوى الأخرى في المنطقة، ولمصالح القوى العظمى التي تريد الحفاظ على مصالحها. ** إننا نتمنى أن تكون «عاصفة الحزم» جرس إنذار لكل القوى الإقليمية والدولية من أجل الاصطفاف بالكامل في وجه الخطر الإيراني الذي يهدد الجميع، خصوصا أن هذه العملية قد استقطبت العديد من القوى الدولية والإقليمية التي سارعت إلى مباركة هذه العملية وإلى الاستعداد للانضواء تحت لوائها من أجل عودة الشرعية إلى الساحة اليمنية، ومن ثم تصحيح الأخطاء السابقة التي مكنت إيران من الهيمنة على صنع القرار في كل من العراق ودمشق ولبنان، وأن يكون تقليم أظافر الحوثيين في اليمن الخطوة الأولى لتقليم أظافرها في الساحات الأخرى. ** المطلوب من كل القوى الإقليمية والدولية أن تبادر على الفور إلى خلق تحالف قوي ودائم للوقوف في وجه المغامرة الإيرانية التي لن تتوقف عند حد إذا ما وجدت أن الظروف الدولية والإقليمية تمكنها من الاستمرار في فرض هيمنتها، فهل يعود أصحاب القرار في هذه المنطقة والعالم إلى وعيهم ليعرفوا خطورة الوضع الذي تنبهت له المملكة العربية السعودية منذ بداية المشروع الإيراني، ويأخذوا الدور المنوط بهم ليكونوا في صف الحق السعودي بدل أن تعصف بهم جميعا رياح الباطل الإيراني.

مشاركة :