محكمة دولية لمقاتلي تنظيم داعش الأجانب: المجتمع الدولي متردد أمام المطلب الكردي

  • 7/17/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ إعلانهم القضاء على “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية، وضع أكراد سوريا نصب أعينهم تشكيل محكمة دولية في مناطق سيطرتهم لمحاكمة المئات من الجهاديين الأجانب المعتقلين لديهم، مع إحجام بلدانهم عن استعادتهم لمحاسبتهم على أراضيها. جمع الأكراد في بداية الشهر الحالي العشرات من الخبراء والباحثين والمحامين من دول غربية وعربية، في مؤتمر استضافته مدينة عامودا في شمال شرق سوريا. وركّزت النقاشات بشكل خاص على كيفية إنشاء محكمة لمحاسبة مقاتلي التنظيم، رغم العقبات الكبيرة أمامها. ويقدر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، عدد مقاتلي داعش الأجانب، الذين تعتقلهم قوات سوريا الديمقراطية في سجونها بنحو ألف مقاتل، بينما تحتجز في مخيمات تديرها في شمال شرقي سوريا نحو 13 ألفا من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم الأجانب من نساء وأطفال. وترفض الدول الأوروبية استعادة مواطنيها الذين توجهوا إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم داعش، لمحاكمتهم، وذلك بسبب غياب التحقيق الميداني وغياب وثائق مؤكدة، ولأن قوات سوريا الديمقراطية التي تحتجزهم ليست حكومة. لماذا محاكمتهم في سوريا؟ تُعد قوات سوريا الديمقراطية وذراعها العسكرية وحدات حماية الشعب الكردية، إحدى أبرز القوى التي حاربت تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. وأعلنت في 23 مارس القضاء على “الخلافة” المزعومة بعد سيطرتها على آخر جيب للجهاديين في شرق سوريا. وخلال خمس سنوات من المعارك، اعتقلت تلك القوات الآلاف من المشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، بينهم نحو ألف مقاتل أجنبي من عشرات الجنسيات، الآسيوية والأوروبية والعربية. وباتت سجون القوات الكردية مكتظة إلى حد كبير. ورغم بدء الإدارة الذاتية الكردية محاكمة الجهاديين السوريين في محاكمها المحلية، إلا أن مصير الأجانب لا يزال غامضا. ويلفت تقرير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أن ما تقوم به الدول الأوروبية في الوقت الحاضر هو استعادة بعض الأطفال دون سن العاشرة، لكن يبدو أن قوات سوريا الديمقراطية أدركت السياسة والإجراءات الأوروبية الانتقائية في عودة أطفال عناصر داعش، وفرضت شروطها خلال شهر يوليو 2019، قائلة إنه لا يمكن عودة الأطفال دون أمهاتهم. ومع رفض الدول المعنية استعادة مواطنيها خصوصا المقاتلين منهم، طالبت الإدارة الذاتية بعد انتهاء آخر المعارك بتشكيل محكمة دولية على أراضيها، بدعم من المجتمع الدولي، الذي طالبته كذلك بمساعدتها على تأهيل السجون أو بناء أخرى جديدة. ويقول مسؤول دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبدالكريم عمر “هذا الموضوع جدي واستراتيجي بالنسبة إلينا، وسنعمل على تشكيل هذه المحكمة هنا”. ويضيف “كيفية تشكيل هذه المحكمة وشكلها هما موضوع تبادل وجهات النظر بيننا وبين المجتمع الدولي”. وأجرى الأكراد لقاءات مع عدد من الدول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها. ويقول عبدالكريم عمر “في كل لقاءاتنا لم نر أي طرف يعارض ضرورة تشكيل هذه المحكمة أو ضرورة محاكمة هؤلاء المجرمين”.وتحتفظ الإدارة الذاتية بتمسكها بمطالبة الدول المعنية باستعادة 12 ألفا من نساء وأطفال الجهاديين الأجانب، لكن الاستجابة تبقى محدودة جدا، مع استعادة 13 دولة فقط 300 منهم على الأقل. ويواجه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية تهم ارتكاب جملة من الجرائم كالإعدام الجماعي والاغتصاب والخطف والعقوبات الوحشية في مناطق سيطرته، عدا عن تنفيذ هجمات دامية حول العالم. ويقول الخبير في القانون الدولي محمود باتيل، القادم من جنوب أفريقيا على هامش مشاركته في مؤتمر عامودا، “تقضي الطريقة الأمثل بإنشاء المحكمة في المنطقة التي حصلت فيها الجرائم، ليتمكن أهالي المنطقة أنفسهم من المشاركة”. ويرى محللون أن محاكمات مماثلة من شأنها ردّ الاعتبار للضحايا، على عكس ما حصل في العراق الذي حاكم المئات من عناصر التنظيم في جلسات لم يدم بعضها سوى دقائق. ولا تتضمن قوانين الإدارة الذاتية حكم الإعدام، بعكس العراق الذي أصدرت محاكمه العشرات من الأحكام بالإعدام، آخرها بحق 11 فرنسيا اعتقلوا في سوريا ونقلوا إلى العراق. ما هي آلية عمل المحكمة؟ وفق عبدالكريم عمر، ينتظر الأكراد من المجتمع الدولي توفير المساعدة في ما يتعلق بالمسائل اللوجستية والقانونية، بما في ذلك تطوير قوانينهم لتصبح متوافقة مع المواثيق الدولية، ويشير إلى أن المحكمة يجب أن تكون “مشتركة” وبالتالي “تتم محاكمة الإرهابيين بحسب القوانين المحلية بعدما يصار إلى تطويرها”. ويوضح “سيكون هناك قضاة محليون ودوليون، بإلإضافة إلى محامين من الدول التي ينتمي مواطنوها إلى تنظيم داعش الإرهابي للدفاع عنهم”. ويتعهّد بأن هذه المحاكمات، إن حصلت، “ستكون مفتوحة أمام الإعلام”. ويرى باحثون أنه بالنظر إلى الجرائم الكبرى التي ارتكبها تنظيم الدولة الإسلامية، يجب الاعتماد على طاقم قضائي متمكن، وإضافة مصطلحات مثل “إبادة” و”جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” إلى القوانين التي سيتم الاعتماد عليها. ويقول نبيل بودي، محام فرنسي يقول إنه يمثل أربعة رجال فرنسيين فضلا عن عائلات أخرى متهمة بالتعاون مع التنظيم، إنه لاحظ “إصرارا من قبل الأكراد” لإنشاء المحكمة “حتى أنهم بدأوا بجمع الأدلة”، مشيرا إلى أن “كل الأشخاص المحتجزين أو المعتقلين كانوا يحملون أجهزتهم الخلوية”، ومن الممكن الحصول على معلومات منها. ويقول ستيفن راب، الدبلوماسي الأميركي السابق المتخصص بقضايا جرائم الحرب، إنه بعد الحصول على الأدلة من الممكن محاكمة المتهمين أمام القضاء الكردي “وبدعم دولي يشترط الالتزام بالقوانين الدولية”. ويطرح راب احتمالات عدة بينها أن يتلقى الأكراد دعما استشاريا من منظمة مختصة بالعمل مع أطراف غير حكومية لمراعاة القوانين الدولية وأن يمنح الأكراد الدول المعنية الحق باقتراح قضاء أو مدعين عامين أو محققين. ما هي احتمالات نجاحها؟ رغم التفاؤل، يبدو إنشاء محكمة دولية في شمال شرق سوريا أمرا صعبا، إذ لا تحظى الإدارة الكردية باعتراف دولي. كما أن حماية الشهود في بلد تمزّقه الحرب، وحيث يقتل سكان المدينة ذاتها بعضهم البعض، تشكّل تحديا معقدا. ويتطلب إنشاء هذه المحكمة وقتا طويلا، إذ يجب وضع الإجراءات القضائية، وتدريب القضاة والمحامين حول هذه المسائل المعقدة. ولم يلق المشروع حتى الآن موافقة دولية وإن كانت بعض الدول أبدت انفتاحا عليه. وأعلنت فرنسا في مايو أنها تدرس “آلية قضائية” دولية لمحاكمة الجهاديين. ووفق راب، في غياب الاهتمام الدولي، قد يبقى المقاتلون الأجانب في السجون الكردية لسنوات طويلة من دون محاكمة، ما يشكل “خطرا”، كون السجون قد تشكل سببا لانتعاش التنظيم. ويقول راب إن إبقاءهم في السجون لفترة طويلة سيكون أيضا مكلفا بقدر إنشاء محكمة دولية، لكن الفرق أن الأخيرة من شأنها المساهمة “في أمن واستقرار المنطقة”.

مشاركة :