القاص السعودي محمد علوان: الإبداع والكتابة تطورا بفعل التقنيات الجديدة

  • 7/17/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت مؤخرا عن النادي الأدبي بالرياض المجموعة القصصية “إحداهن” للأديب السعودي محمد علوان (مواليد أبها 1948)، وتأتي هذه المجموعة بعد عدة مجموعات قصصية، نذكر منها “الخبز والصمت” 1977، و”الحكاية تبدأ هكذا” 1983، و”دامسة” 1998، و”هاتف”، بالإضافة إلى مجموعة مقالات حملت عنوان “الذاكرة الوطن” 1993. مجموعة “إحداهن” تنتصر للمهمّش، وتعلي من قيمة العدم، وتحتفي بالفقراء، وتؤثث للأمل الذي ربما لا يأتي، لكن أبطال علوان -على خلاف ونّوس- محكومون به. وعن ذلك يقول محمد علوان “في الكتابة السردية، سواء كنص روائي أو كتابة القصة القصيرة، لا يمكن أن تتقصد الكتابة عن المجتمع، وتنتقي المهمش. لكن الهاجس الذي يفرضه النص لا يذهب بشكل مسبق، بل هو مقدرة الروائي أو القاص على اقتناص التفاصيل وإعادة بث روح الجمال، التفاصيل هي التي تهزنا بعنف حتى يثمر العمل، ويصبح مدهشا للقارئ ويمنحه متعة المتابعة والاستزادة والبحث عن سر النص، واكتشاف عوالمه وخفاياه”. ويضيف “الكاتب الحقيقي يلتفت إلى الهامش باعتبار الذين يعايشونه هم أناس يعرفون الحب ويؤمنون بالحب الحقيقي، هم الذين يتقنون إيقاع الحياة، ولا يرسمون الأصباغ فوق وجوههم، هؤلاء هم الأصل لا الهامش”. الكاتب والذاكرة وإثر سؤال عن مسؤوليته كمثقف حيال المهمشين، وهل يجب عليه أن يكون صوتا لهم، يقول محمد علوان “هذا السؤال يطرح شعارا هو أقرب لتنفيذه إلى الدولة منه إلى المثقف. المثقف دوره إلقاء الضوء بفنه الذي يتقنه، تلك حقبة عفا عليها الزمن أو يكاد، أن يوحي لك هذا النص أو ذاك، يعتمد ذلك على ذائقتك، وعلى تفسيرك الذي تؤمن به، وليس للمبدع إلا هذا النص، وتفسيره يقع على الناقد الصادق وعلى القارئ الذي يصله العمل سلبا أو إيجابا؛ إذ عليهما أن يحددا موقفهما، الناقد بإبقاء رأيه، والقارئ بمتابعته أو عدمها، وهي مسألة لا يعرفها المبدع، ويبدو لي أن الناقد قد هجر وظيفته الحقيقية ليتفرغ للوصول إلى المشهد الثقافي ليس أكثر”. أغلب الكتاب السعوديين إما أن يكتبوا تاريخا قديما أو عن أبطال لهم أسماء مفردة للهروب من القيد المجتمعي والرقابي وحول دور الأديب في توثيق الذاكرة الشعبية التي تؤرشف لتاريخ الإنسان في السعودية قبل وبعد النفط في زمن التحولات الاجتماعية الحادة، يقول علوان “الذاكرة الشعبية كتب عنها الكثيرون، ودوّنت رسائل جامعية متخصصة بهذا المجال، ولا تخلو مجموعاتي القصصية الخمس من استحضار هذه الذاكرة من حين لآخر، ولكن برؤية فنية دون الدخول في سردها، وشرح تاريخها، أو ملابساتها الموضوعية، فهذا له أهله، والذين يدونون ملاحظاتهم ورؤيتهم الموضوعية تجاه الذاكرة الشعبية التي أصبحت من الذكريات، وفي ذهني الكتابة عن الأمثال الشعبية في منطقة عسير، حيث جمعتُ أكثر من خمس مئة مثل، جزء أساسي من الذاكرة الشعبية، وما تحمله من دلالات ومضامين فرضتها الحياة التي تغيرت وتبدلت كمعظم الأشياء والأفكار. وبطبيعة الحال لا يمكن أن تبوح بما ترمز له الأمثال لمناطق بعينها، فيظل الوصول إلى المبتغى غير كامل. أو يتناول المثل بلغة بها ألفاظ أو عبارات تخدش الحياء، وأقف احتراما وتقديرا للمرحوم الأستاذ/ عبدالكريم الجهيمان الذي تجاوز هذا المأزق”. يخشى بعض الكتاب حساسية النسيج الاجتماعي، والحوامل الثقافية التي تشكل واقع المجتمع السعودي الفسيح، فنرى أن بعضهم يحجم عن الحديث عن المذاهب في السعودية، أو يبتعد عن نقد الحالة القبلية، أو ينأى بنفسه عن الدخول في هامش السياسة. وعن ذلك يعلّق علوان قائلا “الأمر طبيعي في بلد يشعر أبناؤه بالانتماء إلى القبيلة أكثر من انتمائهم إلى الدولة، إلا أنها لم تعد ذلك الهاجس السلبي بفعل وصول الجميع إلى فكرة العلم الذي يساوي الناس بعضهم ببعض، ولكن هناك من تصدى للكتابة عن هذا النسيج الاجتماعي بشكل علمي ودون الإساءة أو فكرة ‘الاتهام‘، لأن أنظمة الدولة وقوانينها لا تحبذ ذلك ولا تشجعه” . ويؤكد علوان أن العمل الإبداعي يبتعد كثيرا عن الإنشائية المباشرة لمثل هذه القضايا الشائكة، وإن كان لا بد من ذلك فإنه -حسب رأيه- يقوم بتناولها بشكل رمزي وفني يهرب إلى التخييل والأسطورة التي يمكن أن يخلقها النص. يقول “حتى الآن تجد أبطال الأعمال السردية بشقيها لهم أسماء مفردة، وليست كما هو موجود في القصص والروايات المصرية والسورية، وهذا هروب من الوقوع في شرك الأسماء الثنائية أو الثلاثية، وهناك حيلة فنية تذهب بالروائي أو القاص إلى استدعاء التاريخ الموغل في القدم للهرب من القيد المجتمعي والرقابي بمنتهى الذكاء واللّماحية، أو اللجوء إلى اسم البطل المفرد”. بين الصحوة والحداثةيؤكد علوان أن مفهوم الصحوة ليس نقيض الحداثة، فالصحوة -بحسب قوله- نشأت كتيار ظلامي سياسي بقالب ديني، عاث فسادًا في كل شيء جميل في هذا الوطن الكبير، وأخذ مشروعيته من الدولة قبل أن يفتضح أمره، وتنكشف مآربه وخططه لبثّ الرعب والتأخر في حنايا المجتمع. ويخص الكاتب حديثه عن الصحوة بدورها في تقويض دور المرأة الريادي في ظل دولة تؤمن بالإسلام الوسطي والحضاري، وكيف حاربت الصحوة الفنون على اختلاف أنواعها؛ من مسرح وسينما وغناء وفنون تشكيلية وحتى الفلكلور والفلسفة كعلم إنساني وحضاري. ويقول “الحداثة كانت نمطا جديدا من أشكال الكتابة شعرا وقصة ورواية، وهذا النمط أخذت به معظم شعوب العالم دون المساس بالأديان والمعتقدات، ولقد مرت على الشعر العربي تطورات في الشكل والمضمون مسايرة لكل أنواع الفنون التي تتطور، وكان الصراع من جانب واحد، هذا الجانب الذي لا يؤمن بالحضارة البشرية جملة وتفصيلا، وكان العمل من الجانب الآخر هو الإصرار على الإبداع والكتابة التي تتطور بفعل الزمن والتقنيات الجديدة. وعندما قررت الدولة استعادة الأمور ووضعها في نصابها لم تكن تؤسس إلا لشيء واحد، وهو استعادة ‘الإسلام الوسطي الحضاري‘ الذي يفهم الآخر ويتعامل معه بنديّة”. وفي الشأن نفسه يرى علوان أن الهم الثقافي المشترك هو محور أساسي ضمن رؤية المملكة 2030 المطروحة، يقول “الصحوة التدميرية راهنت على البقاء في شرنقة منقطعة عن العالم، ولكن الآخر لم يأبه لهذا الأمر، وظل يوميا يبتكر شأنا من المنتج المعرفي الجديد، وأشكالا من التواصل مع الآخر دون النظر إلى الجانب الديني لكل طرف، والعيش فوق هذا الكوكب، الذي يمنحنا المقدرة على تحويله إلى ساحة حب، لا ساحة حرب”. عمل محمد علوان في وقت سابق وكيلا لوزارة الثقافة والإعلام للإعلام الداخلي، لهذا توقفنا معه حول استشرافه لوزارة الثقافة التي ولدت حديثا، يقول “وزارة الثقافة جاءت كمنقذ يلملم شتات العمل الثقافي، والذي كانت عدة أجهزة حكومية تسيطر على جزء منه”. ويضيف محمد علوان “ما حققته الوزارة من مبادرات أولية يستحق منا الدعم والمؤازرة لأنه يمثل كافة المثقفين باختلاف توجهاتهم وطرق تعبيرهم المختلفة، بالنسبة إلي شخصيا أتمنى على وزارة الثقافة وعلى وزيرها الذي يصغي إلى جميع الآراء ويتفاعل مع أي فكرة إيجابية، أن يسعى جاهدا إلى ضمان نشر المؤلف السعودي داخليا وخارجيا، وأن يكون سعر الكتاب في متناول الجميع، وحتى لو كان على هيئة طبعات شعبية متاحة للجميع، وآمل السعي الحثيث إلى ترجمة عطائنا الفكري والإبداعي إلى لغات عالمية. وأظن أن ذلك من أهداف الوزارة الأولوية. ويجب أن تكون هناك سلاسل في المعرفة والأدب والمسرح وترجمات لأشهر الأعمال العالمية بمقابل مقبول. وأتمنى من كل قلبي ألا تكون المناصب الثقافية لموظفين لا يضيفون للمشهد شيئا ذا قيمة، لابد -وبالذات في الشأن الثقافي- من موظفين مبدعين ومنتجين للمعنى الثقافي”.

مشاركة :