اتسعت التكهنات بأن عملة فيسبوك لن تجد طريقها إلى التداول وفق ملامح مشروعها المعلن، بعد اتساع الجبهات المحذرة، لتشمل قائمة طويلة تمتد من الحكومات والسلطات التنظيمية إلى المصارف والمحليين. وانضم وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين إلى قائمة المحذرين أمس بتأكيد أن الإدارة الأميركية “تشعر بقلق بالغ” إزاء عملة فيسبوك المقترحة “ليبرا” التي أثارت غضب الرئيس دونالد ترامب والمشرعين الديمقراطيين. وكشفت صحيفة بيلد الألمانية أمس عن مذكرة داخلية لوزارة المالية الألمانية تؤكد أنها تدرس بالتعاون مع البنك المركزي الألماني كيفية الحيلولة دون إرساء عملة ليبرا كبديل عن عملات رسمية مثل اليورو. وبلغ القلق في طوكيو ذروته بالإعلان عن تأسيس مجموعة عمل لمناقشة التأثير المحتمل لتلك العملة على استقرار النظام المالي العالمي. وأظهر تشكيل المجموعة من بنك اليابان المركزي ووزارة المالية ووكالة الخدمات المالية، مقدار القلق الذي ينتاب اليابان. وسرعان ما أدركت فيسبوك حجم الجبهة المضادة لتعلن أمس أنها لن تطرح العملة إلا بعد معالجة مخاوف الجهات الرقابية والتنظيمية والحصول على موافقتها، الأمر الذي يرجح إمكانية خضوع المشروع لتغييرات كبيرة قبل طرح العملة أو حتى إلغاء طرحها بشكل نهائي.ونقلت وكالة أنباء بلومبرغ عن منوتشين تأكيده في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض أن عملة فيسبوك “في الواقع قضية أمن وطني. لن نسمح لمزودي خدمات الأصول الرقمية بالعمل في الظل”. وأوضح حجم الهواجس بالقول إن شبكة الجرائم المالية بوزارة الخزانة “سوف تتعامل مع أي كيان يعقد صفقات بعملات بيتكوين وليبرا أو أي عملة رقمية وفق أعلى المعايير”. وانتقد العملات المشفرة بشكل عام وجدد ما قاله الرئيس ترامب في سلسلة من التغريدات الأسبوع الماضي بأن هذه العملات “ليست نقودا” وأكد وجود تحقيق يجرى حاليا في استخدام العملات الرقمية لأغراض غير قانونية. وقال منوتشين إنه سيبحث هذه القضية مع وزراء مالية الاقتصادات الكبرى في العالم على هامش قمة الدول السبع الصناعية الكبرى في فرنسا هذا الأسبوع وأنه ناقش القضية “بشكل موسع” مع جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي). وكان باول قد أعرب عن مخاوفه من خطورة عملة فيسبوك، وشاركه تلك المخاوف مسؤولون عالميون مثل وزير المالية الفرنسي برونو لومير ومحافظ البنك المركزي البريطاني مارك كارني. ودفعت تلك المخاوف المشرف على عملة فيسبوك ديفيد ماركوس، الذي سيمثل أمام لجنة في الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع، إلى تأكيد أن فيسبوك “لن تطرح عملة ليبرا الرقمية قبل معالجة مخاوف الجهات الرقابية والتنظيمية والحصول على الموافقات اللازمة”. وقال لوكالة بلومبرغ إن “الفترة الزمنية من الآن حتى الإطلاق ستكون عملية مفتوحة وخاضعة لرقابة ومراجعة الجهات الرقابية. نريد أن نأخذ الوقت الكافي للقيام بذلك بطريقة صحيحة”. في هذه الأثناء كشفت صحيفة بيلد الألمانية أن برلين تساورها مخاوف شديدة من عملة ليبرا الرقمية، التي جمعت فيسبوك في اتحاد إصدارها 28 مؤسسة عالمية بينها شركات اتصالات وتجارة إلكترونية ومؤسسات المدفوعات وإصدار البطاقات الائتمانية. ورفضت وزارة المالية الألمانية التعليق على التقرير الصحافي لكن مصادر حكومية أكدت أن عملة ليبرا تمثل بكل وضوح تحديا كبيرا للنظام المالي وخاصة البنوك المركزية. وكان مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، أعلن الشهر الماضي عن مشروع إطلاق العملة الرقمية وخُطط طرحها للتداول في العام المقبل، والتي تسمح بتسديد مدفوعات التجارة الإلكترونية وتحويل الأموال عبر الحدود برسوم منخفضة مقارنة بالعمليات المصرفية. لكن المنتقدين، مثل كريس هيوز المؤسس المشارك لموقع فيسبوك، يقولون إنها تهدد النظام المالي العالمي ويمكن أن تهدم العملات السيادية وتقوض استقرار الدول. وتخطط فرنسا لاستثمار رئاستها لمجموعة القوى الاقتصادية السبع الكبرى في إطلاق فريق عمل للنظر في كيفية قيام البنوك المركزية بضمان تنظيم العملات الرقمية مثل ليبرا، خاصة فيما يتعلق بغسيل الأموال وقواعد حماية المستهلك. شبكة الجرائم المالية بوزارة الخزانة سوف تتعامل مع أي كيان يعقد صفقات بعملات بيتكوين وليبرا أو أي عملة رقمية وفق أعلى المعايير ومن المقرر أن يقدم بينوا كوور عضو مجلس السياسات في البنك المركزي الأوروبي تقريرا أوليا لتقييم عملة فيسبوك خلال اجتماع لوزراء مالية مجموعة السبع في بلدية شانتيلي شمال باريس. وتشير التقارير إلى أن اليابان تسعى لحشد الدعم الدولي لتوسيع فرق العمل لتشمل مجموعة أكبر من الجهات الضريبية والمالية، مؤكدة أن مجموعة واسعة من السياسات المالية العالمية قد تتأثر بالعملات الرقمية. وستبحث اليابان بصفتها الرئيس الحالي لمجموعة العشرين في سبل التنسيق بين الجهود مع مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى لمعالجة الآثار المحتملة لطرح عملة فيسبوك. وكان قادة مجموعة العشرين قد أكدوا خلال قمتهم التي عقدت في اليابان الشهر الماضي أنهم يراقبون عن كثب التطورات والمخاطر الحالية والناشئة التي تنطوي على جميع الأص ول المشفرة. ويبدو أن مخاض إصدار عملة ليبرا سيشهد تقلبات كبيرة قد تسفر عن أشكال جديدة للعملات المشفرة ترتبط بالسلطات النقدية السيادية لمنع الاصطدام مع النظام المالي التقليدي.