مع تباطؤ نمو شركات الأدوية في الصين بسبب الجهود الحكومية لخفض الأسعار، تأمل "أسترا زينيكا" أن تتمكن من استخلاص الدروس من مصدر لا يخطر على البال: سلاسل مطاعم الوجبات السريعة. الأدوية التي تحمل علامات تجارية وبراءات اختراع انتهت صلاحيتها لا تزال تتصدر المرتبة الأولى في سوق الأدوية الصينية التي يبلغ حجمها 137 مليار دولار، حتى مع انهيار المبيعات في الدول الأخرى بسبب منافسة البدائل الأرخص ثمنا. أحد الأسباب الرئيسة هو أن المرضى يشكّون في جودة الأدوية التي تصنعها الشركات الصينية. في الوقت نفسه، حققت المستشفيات دخلا من خلال صرفها وصفات طبية تتطلب الأدوية الأغلى سعرا. لكن قواعد اللعبة في ثاني أكبر سوق للعقاقير في العالم تتغير الآن. ليون وانج؛ رئيس "أسترا زينيكا" في الصين والأسواق الناشئة، قال في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز": "يتعين على الحكومة تقييد التكاليف وخفض الأسعار على الأدوية البديلة، لذلك نتوقع تحقيق نمو هذا العام". حدّت بكين من العائدات التي يمكن أن تحققها المستشفيات من مبيعات الأدوية، وفرضت تخفيضات على الأسعار وأجبرت الشركات الصينية على اجتياز اختبارات تثبت أن أدويتها تتوافق مع جودة الأدوية ذات العلامات التجارية. كما تم الفراغ هذا العام من نظام مناقصات صُمم على مبدأ "الفائز يأخذ كل شيء"، وبدأ تطبيقه على 31 نوعا من الأدوية في 11 مدينة تمثل ربع مبيعات الأدوية في الصين. النظام الجديد يمنح عقود شراء المستشفيات - التي تتطلب تخفيضات في الأسعار تصل إلى 96 في المائة – إلى صاحب العطاء الأقل. فازت الشركات متعددة الجنسيات بمناقصتين فقط. يعد هذا تحديا أمام "أسترا زينيكا" التي حققت مبيعات بقيمة 3.8 مليار دولار في الصين العام الماضي، شكلت خُمس إيراداتها العالمية. ومنذ عام 2016 نمت مبيعاتها في البلاد بمعدل سنوي يقارب 20 في المائة. مثلا، "كريستور" Crestor، دواء خفض الكوليسترول في الدم الذي كان في العام الماضي ثالث أفضل أدوية الشركة مبيعا في الصين، خسر أمام دواء بديل صيني في إحدى عشرة مدينة. قال وانج؛ في الوقت الذي تسارع فيه بكين لتسجيل الأدوية المحمية ببراءات اختراع، وتضيف بعضها إلى خطط الدفع المشترك، تشكل منتجات "أسترا زينيكا" ما بين 60 و70 في المائة من الأدوية غير المحمية ببراءات اختراع من في الصين. على هذا النحو، تأمل الشركة أن يتمكن الحجم من أن يحل محل السعر. وأضاف وانج: "إذا كنا بحاجة إلى انخفاض الأسعار للوصول (إلى السوق)، سنفعل ذلك. أعتقد أن هناك مكاسب ضخمة يمكن تحقيقها عند اتباع هذا النهج". تستجيب الشركات متعددة الجنسيات مثل "فايزر" Pfizer أيضا، بمحاولة زيادة المبيعات في المدن الصغيرة والمقاطعات الريفية. كانت "أسترا زينيكا" من أوائل مستخدمي هذا النهج منذ أن انضم وانج إلى الشركة في عام 2013. زادت الشركة من موظفيها في الصين – يعمل كثير منهم في المبيعات – من خمسة آلاف موظف إلى 13 ألف موظف لأنها زادت من نطاق الأماكن التي تصل إليها. قال وانج: "نحن نؤمن بالوصول إلى الأغلبية العظمى من المرضى في أماكن لم تستغل بعد في المناطق النائية". بصفته رئيسا لشركة الأدوية المصنعة لأدوية أمراض الجهاز التنفسي في الصين، أشرف وانج؛ على عمليات إنشاء سريعة لآلاف مراكز الربو للأطفال في المستشفيات. وأوضح أن المشروع يسير على خطى مشاريع التوسع التي تتخذها شركات مثل "ماكدونالدز" و"كنتاكي" في الصين. وقال: "العدد المعتاد لسلاسل الوجبات السريعة، ثلاثة فروع لكل أربعة آلاف شخص وهي حسبة تكاد تغطي الصين بأكملها تقريبا". ساعدت هذه المراكز على جعل عقار الربو "بولميكورت" Pulmicort من "أسترا زينيكا" ليكون من بين أكثر العقاقير مبيعا في الصين. "وفي نهاية المطاف تحصل على عائد جيد من الاستثمار"، كما قال وانج. وتعكف الشركة الآن على توسيع هذا الأنموذج، من خلال تمويلها الكشف عن السرطان في المستشفيات، والمساعدة على بناء 380 مركزا لآلام الصدر و190 مركزا "لتنظيم الأيض". يوجد في الصين ثلاثة آلاف مقاطعة ريفية يتطلب التوسع فيها مزيدا من الاستثمار. قال وانج: "في المدن الكبيرة يعرف الأطباء منتجاتك (...) لكن في المناطق النائية، يحتاج الأطباء إلى معرفة الأمراض أولا قبل المنتجات". الشركات متعددة الجنسيات ستضطر إلى التحرك بسرعة بسبب التوسع المتوقع في نظام المناقصات الجديد الذي سيتجاوز 11 مدينة رائدة ويتجه إلى مقاطعات عدة هذا العام. وقد يمتد إلى مئات العقاقير التي تمثل 80 في المائة من سوق الصين، بحسب "إل. إي. كيه كونسولتنج" LEK Consulting التي تتخذ من لندن مقرا لها. هيلين تشن؛ من "إل. إي. كيه"، قالت: "يمكن أن تعوض الشركات (عن نقص المبيعات) في مواقع أخرى، سواء كان ذلك في مدن من الدرجة الثانية أو أقل، لكن هذا يتطلب الكثير من العمل. سترتفع تكاليف المبيعات". وفقا لمزودة البيانات الأمريكية "إيه. كيو. في. آي. أيه" IQVIA، الإنفاق على الأدوية في الصين كان 137 مليار دولار في عام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى 140 ـ 170 مليار دولار بحلول عام 2023. لكن النمو انخفض من كونه رقما عشريا قبل عقد من الزمان إلى نحو 3-6 في المائة بسبب ضغط الأسعار. في العام الماضي، تفاءلت الشركات متعددة الجنسيات عندما وافقت بكين على عديد من علاجات السرطان الجديدة الحاصلة على براءات اختراع وأضافتها بسرعة إلى قوائم التعويضات. لكن مشكلات القدرة على تحمل التكاليف مازالت تشكل عائقا أمام مبيعات الأدوية المبتكرة، لذلك بردت تلك المشاعر. بالنسبة إلى "أسترا زينيكا"، قال وانج؛ إن الانتقال إلى جعل الأدوية الحاصلة على براءة اختراع المصدر الرئيس لمبيعات الشركة في الصين قد يستغرق ما يصل إلى خمس سنوات. لكنه واثق من أن الشركة يمكن أن تنمو بشكل أسرع من السوق الكلية عند ارتفاع متوسط الدخل في البلاد وتقدم السكان في العمر. وقال: "في المستقبل سيكون هناك مزيد من المرضى في مراحل مرض مبكرة وسيعالجون لفترة أطول. أتوقع ارتفاع أرباح كبيرا في الصين" وأضاف: لكن من حيث النمو، من المرجح أن تمرر الراية عبر جبال الهيمالايا "أعتقد أن القوة الصاعدة التالية ستكون الهند".
مشاركة :