تنتشر صور ومقاطع فيديو من بيروت القديمة على مواقع التواصل الإجتماعي، عبر صفحات خاصة أنشأها بعض محبّي المواد الأرشيفية والمهتمّين بتجميعها، وكل من أصابه عشق «بيروت ما قبل الحرب الأهلية». ومن أكثر الصفحات والمواقع نشاطاً، صفحة «نوستالجيا» (نوستالجيا... ذكرى الأيام الحلوة) على «فايسبوك»، ومدوّنة «Old Beirut» على موقع «Tumbrl» التي تنشر مضمونها أيضاً على «تويتر» بالإسم نفسه. تنشر «نوستالجيا» التي يتجاوز عدد معجبيها 12 ألفا و780 شخصاً، صوراً قديمة لبيروت ومدن لبنانية أخرى معظمها من حقبة ما قبل الحرب الأهلية، إضافةً إلى صور شخصيات معروفة وفنانين اشتهروا في تلك الحقبة وملصقات أفلام قديمة. وفي الصفحة أيضاً، مقاطع فيديو خاصّة عن أهمّ الأحداث التي وقعت بين فترتي الخمسينات وأوائل السبعينات. وقال مؤسس الصفحة المدوّن عماد بزي لـ «الحياة» إنّه أنشأ الصفحة بالتعاون مع صديق «لمشاركة أرشيف الصور الذي نملكه، عن بيروت ولبنان بشكل عام». وبزّي نفسه أصدر العام الماضي كتاباً تضمّن 27 قصّة قصيرة واقعية دارت أحداثها في بيروت في الفترة الممتدّة بين العام 1860 ونيسان (أبريل) 1975، بعنوان «خلف أسوار بيروت». وأضاف: «السبب الأساس لإنشائنا الصفحة هو أننا نهوى جمع الصور القديمة، ولأنّنا نعتبر أنّ قيمتها التاريخية والثقافية يجب أن تحفظ في الذاكرة. نحن نعتقد أن تاريخ لبنان وذكريات بيروت الجميلة يجب أن تحفظ، وهذا ما جعلني أنشر بعض الصور الحصرية التي حصلت عليها في كتابي». وأشار إلى أنّ غالبية الصوّر التي ينشرها على «نوستالجيا» هي «من الأرشيف الخاص بمدراء الصفحة إضافةً إلى محتوى حصري نحصل عليه من ورثة الفنانين والشخصيات ممّن عاصروا الزمن الجميل، إلى مساهمات المعجبين على الصفحة وبعض المواقع الإلكترونية، مع العلم أنّنا نحرص بشكل كبير على ذكر مصدر الصور المحمية بحقوق النشر». لا ينكر بزي أنّ ما خلّفته الحرب الأهلية وعملية إعادة بناء المدينة بكل ما شاب ذلك من تشويه لتراث بيروت العمراني والإجتماعي، قد يكونان السّببين الرئيسين لحصر ما تنشره الصفحة بحقبة ما قبل الحرب بما يمكن وصفه هروبٌ إلى ماضٍ أكثر لطفاً. ويقول: «يعود الأمر إلى رغبتنا، نحن الذين لم نعش في زمن بيروت ولبنان الذهبي، في أن نسترجع جزءاً من هذا الماضي، خصوصاً أنّنا جيلٌ لم يرَ من بيروت سوى دمار الحرب وما أعقبه من تشويه». وينطلق بلال الحوري، صاحب مدوّنة «Old Beirut» (بيروت القديمة) الذي يعمل في مجال الإعلانات، من الدافع نفسه ليوثق فترة ما قبل الحرب التي غيّرت بيروت، وهي فترة أصبح يعرف قيمتها جيداً من قصص والديه عنها. ويُضيف الحوري الذي ترعرع في بيروت في ثمانينات القرن الماضي أنّ بيروت في تلك الفترة «حافظت على جزء بسيط من قديمها، ولكنّها تغيّرت تماماً بعد 1990». ووصف مدوّنته بأنها «كبسولة زمن إفتراضيّة، فيمكنني رؤية قصة معيّنة في كلّ صورة. يمكنني سماع الناس يتحدّثون، يمكنني شمّ رائحة الشوارع». ويضيف الحوري الذي هاجر إلى كندا بعد حرب تمّوز (يوليو) 2006 ويدير مدوّنته من هناك: «لا أعرف كيف أفسّر ذلك. إنّ الأمر مشابه لرؤية صور والديك في عمر الشباب إذ لم تكن تعرفهما حينها، ولكنّك تستطيع أن تعيش تلك المرحلة من حياتهما من خلال الصور». ويعترف بأن صور بيروت القديمة تشعره بالحنين ويقول: «أعتقد أنّني أحنّ إلى الأشياء البسيطة التي كان يستمتع بها الناس قديماً. وأشتاق إلى هندسة بيروت القديمة التي يتمّ تدميرها اليوم». وتختصّ مدوّنة «Old Beirut» بنشر صور نادرة لأشهر شوارع بيروت القديمة وفنادقها ومستشفياتها، إضافة إلى صور بحر المدينة ومرفئها منذ العام 1890 وإلى ما قبل اندلاع الحرب الأهلية العام 1975. وحصل الحوري على الصّور التي ينشرها على مدوّنته من خلال أبحاث طويلة قام بها، وقال إنّه بدأ أوّلاً بالتفتيش عن أهمّ المصوّرين الذين زاروا بيروت، أمّا المرحلة الثانية، فكانت الحصول على صور من مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت ومكتبة الكونغرس الأميركي. أمّا المرحلة الثالثة، فكانت نشر صور خاصّة من أرشيف العائلة والأقرباء. ويخصّص الحوري على مدوّنته رابطاً يطلب فيه من الزائرين تحميل الصور التي لديهم لكي ينشرها. ويحرص على ذكر مصادر الصّور، مبدياً اسفه لأنّ «أكثريّة الصور القديمة مجهولة المصدر». يحاول بزي والحوري على غرار كثيرين من شبان بيروت، خصوصاً الذين ولدوا أو عاشوا خلال الأيام الأخيرة للحرب اللبنانية، والذين سمعوا الكثير عن مآسيها من أهلهم ومحيطهم، أن يتناسوا تاريخ مدينتهم المؤلم حين تحوّلت من مدينة للثقافة والفن والإبداع إلى مدينة مدمّرة، ميتة، لا مستقبل واعداً لها. يبحثون عن بيروت أكثر هدوءاً، وأقلّ قسوةً، ليشعروا بالإنتماء إليها وإن إفتراضياً.
مشاركة :