لم يكن مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء فيها بحاجة إلى أن ينفي تلك الفتوى الباطلة التي نسبت إليه ادعى ناقلوها أنه تحدث عن جواز أكل لحم المرأة في حال الجوع الشديد، ولم يكن بحاجة إلى إن يؤكد أن «ما نسب إليه من قول ما هو إلا من الأراجيف التي يهدف من خلالها الأعداء إشغال المجتمع عن قضيتهم الأساس في هذا الوقت، وهي التلاحم والوقوف خلف القيادة الرشيدة ضد محاولات النيل من تشتيت الأمة». كان حسبه أن نتذكر جميعا قول القائل حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فهو لا عقل له، وليس المفتي بحاجة إلى أن يتحدث لغير العقلاء الذين يمكن لهم أن يصدقوا مثل هذه الفتوى الشاذة، والتي لا تصدر عن عاقل فضلا عن رجل في مكانة المفتي ومنزلته. لم يكن بحاجة إلى نفي نسبة هذه الفتوى إليه، غير أنه فعل حسنا بهذا النفي، ذلك أننا بحاجة إلى استثمار أي مناسبة للتصدي لمثل هذه الأراجيف والأقوال الكاذبة، خصوصا في مثل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا، والتي يسعى من خلالها أعداؤنا إلى تفكيك وحدة صفنا وضرب تماسكنا وإشغالنا عن واجبنا بسخيف ما يروجونه من إشاعات وما يطلقونه من أراجيف، وبذلك يكون الرد على هذه الفتوى المدعاة مجرد مناسبة للتحذير من غيرها، وإذا بلغ الأمر بالمرجفين أن يدعوا مثل هذه الفتوى التي لا يمكن لعاقل أن يصدقها، فإنهم على غيرها من الأراجيف أكثر حرصا واقتدارا، وذلك ما ينبغي التنبه له والتنبيه عليه. وحسنا فعل المفتي حين حرص على نفي هذه الفتوى في زمن كثرت فيه الفتاوى وتكاثر فيه المفتون، حتى بات الناس لا يكادون يثقون في شيء وتنزلت بعض الفتاوى الشاذة منزلة النكات التي يتفكه بالحديث عنها في المجالس ويتندر بها المتندرون في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أننا ننزه المفتي عن مثل هذه الفتوى، إلا أن التشويه الذي أصاب الفتاوى كان أمرا يفرض نفيها والتصدي لها، كما كان يتوجب تصدي العلماء جميعا لمثلها من الفتاوى الشاذة والمنكرة.
مشاركة :