يبين الله تعالى فضل العلماء وأهميتهم، وأنهم سبب إصلاح الناس وإرشادهم، وأن الله تعالى عندما يريد أن يصيب قوماً بالجهل والضلال، لا يسحب العلم منهم بين ليلة وضحاها، أو ينسيهم ما يعلمون، بل يقبض علماءهم فيُرفَع العلمُ معهم فيتركهم في ظلامهم، فيتخذوا الجهال علماء لهم، فيضلوا ويتيهوا. يقول: الإمام النووي في كتابه (رياض الصالحين): «عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا».«قوله: لا يقبض العلم انتزاعًا أي: محوًا من الصدور، وكان تحذير النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث قال النبي: «خذوا العلم قبل أن يُقبَض أو يُرفَع فقال أعرابي: كيف يُرفَع ؟ فقال: ألا إن ذهاب العلم ذهابُ حَمَلته. ثلاث مرات». جهل مستحكم وعن البلاغة النبوية في هذا الحديث: قوله: «بغير علم» أفاد تأكيد جهلهم، لأن قوله «اتخذ الناس رؤوساً جهالاً» يؤكد أن فتواهم بغير علم، فجاء قوله هذا ليؤكد أنهم غير أهل للفتوى مما يؤذن بضلالهم وضلال من يفتونه.ومعنى قوله (فضلّوا وأضلّوا).. أنهم ضلّوا في أنفسهم، وأضلّوا السائلين وعلى ذلك فالضلال ملازم لهم، مما يؤكد سوء عاقبة الجميع. وتتابع الفاء في قوله: «فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا» له عدة دلالات منها التسرع، وعدم التروي في اختيار من يُستفتى، والجهل المستحكم لهؤلاء الرؤوس الذي يفهم من سرعة إفتائهم. ووحدة العاقبة والمصير للمفتي والمستفتي حيث إن كليهما في الضلال.«والمراد بقبض العلم في الحديث ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه: (أن يموت حملته، ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم، فيضلّون ويُضِلّون».والمقصود بالعلم هنا هو علم الكتاب والسنة وهو العلم الموروث عن الأنبياء «عليهم السلام»، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وبذهابهم يذهب العلم وتموت السنن وتظهر البدع، ويعم الجهل، وأمّا علم الدنيا، فإنه في زيادة وليس هو المراد في الحديث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا). والعلماء الحقيقيون هم الذين يعملون بعلمهم، ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الحق والهدى، فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه، بل يكون وبالاً على صاحبه. آخر الزمان قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لينزعن القرآن من بين أظهركم، يسري عليه ليلاً فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء).قال ابن تيمية: (يسري به في آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا يبقى في الصدور منه كلمة، ولا في المصاحف منه حرف).وأعظم من هذا ألا يذكر اسم الله تعالى في الأرض. كما في الحديث عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله).ففي هذا الحديث إشارة إلى أن العلم سيقبض، ولا يبقى في الأرض عالم يرشد الناس إلى دين الله، فتتدهور الأمة وتضل، وبعد ذلك ينزع القرآن من الصدور ومن المصاحف. كما قال أهل السنة: «إن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود»، وقالوا: «معنى وإليه يعود أي يرجع إلى الله عز وجل في آخر الزمان حين يهجره الناس هجراً تاماً لا يقرؤونه ولا يعملون به». تحذير لا تقرير وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء ليس معناه أنه يقره ويسمح به ، كما أخبر عليه الصلاة والسلام وأقسم قال: (لتركبن سنن من كان قبلكم) بمعنى لتركبن طرق من كان قبلكم. قالوا اليهود والنصارى؟ قال: نعم اليهود والنصارى فأخبر أن هذه الأمة سوف ترتكب ما كان عليه اليهود والنصارى وهو إخبار تحذير لا إخبار تقرير وإباحة، فيجب أن نعلم الفرق بين ما يخبر به الرسول مقرراً له ومثبتاً له، وما يخبر به محذراً منه.فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن العلماء سيموتون ويعني ذلك أن نحرص حتى ندرك هذا الوقت الذي يموت به العلماء ولا يبقى إلا هؤلاء الرؤساء الجهال.وقال أبو الدرداء: «فتعلموا قبل أن يُرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء» ولكن... ينبغي أن نطمئن الاطمئنان الواعي، الذي يدفع إلى أن نحمل هموم المسلمين، وألا ندخر وسعاً في سبيل ترسيخ مبادئ الإسلام وقيمه في مجتمع المسلمين أولاً، ثم في المجتمعات الأخرى، متيقنين أن الله تعالى يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مئة عام، من يجدد لها دينه، وأن هؤلاء المجددين، ينفون عنه: تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين.
مشاركة :