زوال العلم

  • 7/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبين الله تعالى فضل العلماء وأهميتهم، وأنهم سبب إصلاح الناس وإرشادهم، وأن الله تعالى عندما‮ ‬يريد أن‮ ‬يصيب قوماً‮ ‬بالجهل والضلال، لا‮ يسحب العلم منهم بين ليلة وضحاها، أو‮ ‬ينسيهم ما‮ ‬يعلمون، بل‮ ‬يقبض علماءهم فيُرفَع‮ ‬العلمُ‮ ‬معهم‮ ‬فيتركهم في ظلامهم، فيتخذوا الجهال علماء لهم، فيضلوا ويتيهوا‮.‬ ‮‬يقول‮: ‬الإمام النووي‮ ‬في‮ ‬كتابه‮ (‬رياض الصالحين)‬: «‮‬عن‮ ‬عبد‮ ‬الله بن عمرو بن العاص‮ ‬رضي‮ ‬الله عنهما ‬قال‮: ‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬يقول‮: (‬إن‮ ‬الله لا‮ ‬يقبض‮ ‬ العلم‮ ‬انتزاعاً‮ ‬ينتزعه‮ ‬من العباد‮ ‬ولكن‮ ‬يقبض‮ ‬العلم‮ ‬بقبض‮ ‬العلماء‮ ‬حتى إذا لم‮ ‬يُبقِ‮ ‬عالماً ‬اتخذ‮ ‬الناس رؤوساً‮ ‬جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير‮ ‬علم‮ ‬فضلّوا وأضلّوا‮».‬‮‬«قوله‮: ‬لا‮ ‬يقبض‮ ‬العلم‮ ‬انتزاعًا‮ ‬أي‮: ‬محوًا من‮ ‬الصدور، وكان‮ ‬تحذير النبي‮ صلى الله عليه وسلم ‬في‮ ‬حجة‮ ‬الوداع،‮ ‬حيث قال‮ ‬النبي‮: «‬خذوا العلم‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يُقبَض‮ ‬أو‮ ‬يُرفَع‮ ‬فقال‮ ‬أعرابي‮: ‬كيف‮ ‬يُرفَع‮ ‬؟ فقال‮: ‬ألا إن‮ ‬ذهاب‮ ‬العلم‮ ‬ذهابُ‮ ‬حَمَلته‮. ‬ثلاث‮ ‬مرات»‮. جهل مستحكم ‮‬وعن البلاغة النبوية في هذا الحديث‮: قوله‮: «‬بغير علم‮» ‬أفاد تأكيد جهلهم، لأن قوله‮ «اتخذ الناس رؤوساً جهالاً‮» ‬يؤكد أن فتواهم بغير علم، فجاء قوله هذا ليؤكد أنهم‮ ‬غير أهل للفتوى مما‮ ‬يؤذن بضلالهم وضلال من‮ ‬يفتونه‮.‬ومعنى قوله‮ (‬فضلّوا وأضلّوا‮).. ‬أنهم ضلّوا في أنفسهم، وأضلّوا السائلين وعلى ذلك فالضلال ملازم لهم، مما‮ ‬يؤكد سوء عاقبة الجميع‮.‬ ‮‬وتتابع الفاء في قوله‮: «‬فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا‮» ‬له عدة دلالات منها التسرع، وعدم التروي في اختيار من‮ ‬يُستفتى، والجهل المستحكم لهؤلاء الرؤوس الذي‮ ‬يفهم من سرعة إفتائهم‮.‬ ‮‬ووحدة العاقبة والمصير للمفتي والمستفتي حيث إن كليهما في الضلال‮.‬«‮‬والمراد بقبض العلم في‮ ‬الحديث ليس هو محوه من صدور حفاظه ولكن معناه‮: (‬أن‮ ‬يموت حملته، ويتخذ الناس جهالاً‮ ‬يحكمون بجهالاتهم، فيضلّون ويُضِلّون».والمقصود‮ ‬بالعلم‮ ‬هنا هو علم الكتاب والسنة وهو العلم الموروث عن الأنبياء‮ «‬عليهم السلام‮»‬، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء وبذهابهم‮ ‬يذهب العلم وتموت السنن وتظهر البدع، ويعم الجهل، وأمّا علم الدنيا، فإنه في‮ ‬زيادة وليس هو المراد في‮ ‬الحديث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم‮: (‬فسُئِلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا‮). ‬والعلماء الحقيقيون هم الذين‮ ‬يعملون بعلمهم، ويوجهون الأمة ويدلونها على طريق الحق والهدى، فإن العلم بدون عمل لا فائدة فيه، بل‮ ‬يكون وبالاً‮ ‬على صاحبه‮. آخر الزمان ‬‮‬قال عبد الله بن مسعود رضي‮ ‬الله عنه‮: (‬لينزعن القرآن من بين أظهركم، يسري‮ ‬عليه ليلاً‮ ‬فيذهب من أجواف الرجال فلا‮ ‬يبقى في‮ ‬الأرض منه شيء‮).‬قال ابن تيمية‮: (‬يسري‮ ‬به في‮ ‬آخر الزمان من المصاحف والصدور فلا‮ ‬يبقى في‮ ‬الصدور منه كلمة‬، ولا في‮ ‬المصاحف منه حرف‮).‬وأعظم من هذا ألا‮ ‬يذكر اسم الله تعالى في‮ ‬الأرض‮. ‬كما في‮ ‬الحديث عن أنس رضي‮ ‬الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‮ ‬قال‮: (‬لا تقوم الساعة حتى لا‮ ‬يقال في‮ ‬الأرض الله الله‮).‬‮‬ففي‮ ‬هذا الحديث إشارة إلى أن العلم سيقبض، ولا‮ ‬يبقى في‮ ‬الأرض عالم‮ ‬يرشد الناس إلى دين الله، فتتدهور الأمة وتضل‮، ‬وبعد ذلك‮ ‬ينزع القرآن من الصدور ومن المصاحف‮. ‬كما قال أهل السنة‮: «‬إن القرآن كلام الله منزل‮ ‬غير مخلوق، منه بدأ وإليه‮ ‬يعود»، ‮ و‬قالوا‮: ‬«معنى وإليه‮ ‬يعود أي‮ ‬يرجع إلى الله عز وجل في‮ ‬آخر الزمان حين‮ ‬يهجره الناس هجراً‮ ‬تاماً لا‮ ‬يقرؤونه ولا‮ ‬يعملون به»‮.‬ تحذير لا تقرير ‮‬وإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء ليس معناه أنه‮ ‬يقره ويسمح به ‬، كما أخبر عليه الصلاة والسلام وأقسم قال‮: (‬لتركبن سنن من كان قبلكم‮) ‬بمعنى ‬لتركبن طرق من كان قبلكم‮. ‬قالوا اليهود والنصارى؟ قال‮: ‬نعم اليهود والنصارى‮ ‬فأخبر أن هذه الأمة سوف ترتكب ما كان عليه اليهود والنصارى وهو إخبار تحذير لا إخبار تقرير وإباحة، فيجب أن نعلم الفرق بين ما‮ ‬يخبر به الرسول مقرراً‮ ‬له ومثبتاً‮ ‬له، وما‮ ‬يخبر به محذراً‮ ‬منه‮.‬‮‬فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن العلماء سيموتون ويعني‮ ‬ذلك أن نحرص حتى ندرك هذا الوقت الذي‮ ‬يموت به العلماء ولا‮ ‬يبقى إلا هؤلاء الرؤساء الجهال‮.‬‮‬وقال أبو الدرداء‮: «‬فتعلموا قبل‮ ‬أن‮ ‬يُرفع‮ ‬العلم‮ ‬فإن‮ ‬رفع‮ ‬العلم‮ ‬ذهاب‮ ‬العلماء‮» ‬ ‮‬ولكن‮... ‬ينبغي‮ ‬أن نطمئن الاطمئنان الواعي، الذي‮ ‬يدفع إلى أن نحمل هموم المسلمين، وألا‮ ‬ندخر وسعاً‮ ‬في‮ ‬سبيل ترسيخ مبادئ الإسلام وقيمه في‮ ‬مجتمع المسلمين أولاً، ثم في‮ ‬المجتمعات الأخرى، متيقنين أن الله تعالى‮ ‬يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مئة عام، من‮ ‬يجدد لها دينه، وأن هؤلاء المجددين، ينفون عنه‮: ‬تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين‮. ‬

مشاركة :