صفية الشحي وصل عدد الاستقالات من السلك التربوي في الدولة إلى ٢٧٠ استقالة في عام ٢٠١٩، تم قبولها بشكل جماعي، ولا يزال المجتمع في انتظار الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة تسرب الكوادر التعليمية التي قد تصل أحياناً وفق بعض الإدارات المدرسية إلى ما نسبته ٤٠٪. الأمر مؤرق لا بالنسبة للمدارس وحسب، وإنما للطلبة وأسرهم أيضاً، أما أبرز أسبابه وفق الملاحظات الميدانية، فهي كامنة في تدني المخصصات المالية والدعم المعنوي، مقابل تراكم الأعباء الإدارية على «الموظف»، والكلمة الأخيرة وصف يقيد هذا الرمز الإنساني والاجتماعي -مع كل الاحترام للوظيفة والموظفين- فكان أن قررت وزارة التربية والتعليم فتح باب تقديم استقالات المعلمين الجماعية في مارس/ آذار من هذا العام، تلافياً لإحداث أي زعزعة في نظام العام الدراسي يمكن أن تسببها الاستقالات المفاجئة للكادر التعليمي. قضايا المعلم الإماراتي هي شأن مجتمعي بالدرجة الأولى، كما أنها نصب مساءلة حول أوضاع القائد والمؤثر الأول في حياة أجيال صاعدة وأخرى قادمة، وهو العضو الذي نعلق عليه كل آمال مستقبلنا القادم حين نرسل أبناءنا كل صباح إلى المؤسسات التعليمية المختلفة بدءاً من حاضنات التأسيس، وانتهاء ببوابات الولوج إلى المستوى الأكاديمي الجامعي أو إلى ميادين العمل المختلفة، ونحن إذ نفعل ذلك فقد حملنا الأمانة لمن نتوسم فيهم كل خير ونكنّ لهم كل تقدير وإجلال.هذا ليس وقتاً للصمت عن الإجابات الجوهرية في تفنيد أساس هذا التسرب، فوزارة التربية والتعليم مسؤولة عن توضيح الأمر بدءاً بالمستقيلين، فهل هم من أبناء الوطن أم من المقيمين؟ وهل تتمثل الأسباب في أمور شخصية وأسرية ومرضية؟ أو لأسباب تتعلق ببلوغهم السن القانونية؟ وماذا عن عوامل مثل تضاعف الأعباء الإدارية أو المسؤوليات المتراكمة لوضع التقارير الدورية والتفصيلية ضمن أدوار أخرى في القاعة الدراسية وخارجها دون توفير الدعم الكافي من مساعدي الفصول؟ ثم ماذا عن تقليص فترة الإجازات وسقف الرواتب الذي لا يتناسب والجهد المبذول كما يرى كثر؟ وإن كان الخلل في الكادر نفسه، فما المشاريع الإصلاحية التي قدمتها الوزارة بالتعاون مع كليات التربية المختلفة لسد فجوة التخصصات والمهارات واللغات؟ ونحن إذ نتطرق لقضايا مستعجلة كهذه لا يمكن أن نسقط من الحسبان الجهود المبذولة من قبل وزارة التربية والتعليم، والمتمثلة في برامج استقطاب الكفاءات الإماراتية، والمبادرات الرامية إلى تجنيد المتطوعين والمتطوعات من أصحاب الخبرات أو الخريجين الجدد للمساهمة في المجالات التربوية والإدارية، إضافة إلى استيراد الكفاءات من الدول الأخرى لتدعيم كل التخصصات التدريسية المطلوبة، ولكن في النقطة الأخيرة بالذات إثارة لاستفهامات كثيرة حول طبيعة التخصصات المطلوبة، ونتائج مشاريع الدعم المقدمة للكفاءات المواطنة الحالية، لجهة تنويع التخصصات والتطوير الأكاديمي للكوادر وفرص التدريب، دون أن يتعارض ذلك مع ضغوط يوم روتيني في حياة معلم، هو عضو في أسرة، ترسل أبناءها كل صباح إلى مؤسسة تعليمية ما، بقيادة معلمين آخرين تحمّلهم أمانة مستقبل أبناء الوطن. safia.alshehi@gmail.com
مشاركة :