بغداد تحتاج إلى إزالة التجاعيد والتشققات عن مبانيها الأثرية

  • 7/19/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تواصل المباني الأثرية في العاصمة العراقية بغداد، والتي تعود للعهدين العباسي والعثماني، الصمود لقرون طويلة، وهي في حالة تستدعي الترميم بعد أن قاومت العديد من الأهوال، منها الحروب والعوامل الطبيعية والإهمال. بغداد، وأحياؤها التاريخية، تريد أن تعود إلى حلّتها المعمارية التي تمتاز بها دون أن تفرط في مبانيها التراثية وشناشيلها المزخرفة، والبغداديون يطالبون أن تتجمّل عاصمتهم وترفع عنها التجاعيد والتشققات والانشقاقات أيضا. ونتيجة الإهمال، تعتبر العشرات من المباني التاريخية في كل من مناطق علاوي وحيفا والبتاوين والشواكة والعيواضية والكاظمية وشارع الرشيد، معرضة للسقوط، في حين تحوّل عددا منها إلى مأوى للعائلات العراقية الفقيرة وإلى موطن للجريمة والمخدرات. وقالت أم ياسر، أنها تسكن في بيت تراثي منذ ولدت، “لقد نشأت وتزوّجت وأنجبت أولادي وزوّجتهم في هذا البيت”، مؤكدة على أنها لا تفكر في ترك البيت والحي الذي عاشت فيه، ولكنها تريد تجديد ملامحه من الداخل والخارج. وتوضح، أن البيوت في حيّها قديمة جدا يعود بعضها إلى ثلاثة قرون من الزمن “وقد أدّت الحروب والتفجيرات المتتالية، بالإضافة إلى الأمطار والإهمال إلى تضرر العديد منها بحيث بتنا نخشى من انهيارها علينا”، وتناشد أم ياسر الحكومة “ترميم المباني القديمة، وخدمات الصرف الصحي في المنطقة التي تعاني من إهمال مزمن”. وبالرغم من القيام بأعمال ترميم فردية بإمكانيات متواضعة في بعض هذه الآثار، إلا أن الكثير منها بانتظار إجراء عمليات ترميم أكثر شمولا، من قِبل الحكومة العراقية.قال عبدالحميد إبراهيمي (83 عاما)، وهو أحد سكان منطقة البتاوين الغنية بالمباني التاريخية، بأن اسم المنطقة سابقا كان “أورفلي”، نسبة إلى العائلات التركية من مدينة شانلي أورفة، التي سكنت الحي. وأضاف، بأن العائلات التركية بدأت بالهجرة من الحي في ثلاثينات القرن الماضي، وسكنت محلها العائلات اليهودية العراقية، والتي هاجرت بدورها إلى إسرائيل بعد تأسيسها في الأربعينات من القرن الماضي، حيث حلّ محلّهم العراقيون المسيحيون العراقيون في ما بعد. وقال إبراهيمي، أن منطقة البتاوين والتي تقع بُعد بضعة أمتار من نصب الحرية، كانت تعدّ من أجمل مناطق بغداد سابقا، بسبب ما تمتلكه من مبان أثرية في غاية الروعة، إلا أنها تعرّضت للإهمال في ما بعد. وكان الحي البتاوين يمثّل أيقونة التنوع السكاني والتعايش، فاليهود إلى جانب المسيحيين والمسلمين والأكراد شكّلوا ملامحه. لكن أخذ سكانه الأصليون بالهجرة منذ تسعينات القرن الماضي. ونتيجة لهجرة السكان، أمست مبانيه مهجورة تملأها النفايات، وتزكم الأنوف بروائحها الكريهة. المشهد يوحي بأن إمكانية العيش في هذه المنطقة شبه مستحيلة، ما ساعد على تحوّلها تدريجياَ إلى دولة مصغّرة يحكمها تجار الممنوعات. وقال إبراهيمي، “لقد كانت البتاوين من أجمل مناطق بغداد، حتى قيام الحرب العراقية الإيرانية، حيث تأثرت سلبا بالحرب، وأصبحت عرضة للإهمال، حيث بدأ سكان المنطقة تدريجيا بترك منازلهم بعدما أصبحت عرضة للسقوط. أدت الحروب والتفجيرات والأمطار والإهمال، إلى تضرر العديد من المباني التاريخية في بغداد بحيث أصبحت مهددة بالانهيار وأردف بأن الحكومات العراقية المتعاقبة أهملت المباني الأثرية في البتاوين، ما دفع الأهالي أيضا إلى التخلّي عن المنطقة. وأشار إلى أنه بعدما تحولت المباني الأثرية في البتاوين إلى مبان مهجورة، أصبحت ملاذا للعائلات الفقيرة والنازحين. وأضاف، “مع الزمن، تحوّلت البتاوين إلى منطقة خطيرة، حيث بدأ اسمها يقترن بحوادث السرقة وتعاطي المخدرات”. وتخضع مباني الحي لرقابة أمانة بغداد التي لا تسمح بالبناء أو بالترميم أو بالبيع كونه منطقة تراثية، إذ تتميز أغلب شوارعه بالشناشيل. والشناشيل هي شُرَف تبنى من الخشب في الطابق الثاني من البيت وتطل على الشارع، فقد كانت البيوت تُبنى بالطابوق، وفي الطابق العلوي تُبنى الشناشيل، وغالباً ما تكون قريبة من أخرى تُبنى في المنزل المجاور. وتعدّ الشناشيل من أهم المعالم الفلكلورية البغدادية، وهي تمثّل الشاهد على جميع التحوّلات الاجتماعية والحضارية التي مرّ بها العراق، وما زال بعضها يقاوم الزمن ويطاول ببهائه التطور العمراني. الرقابة على هذه البناءات التاريخية ربما يحميها من السقوط وسطوة المستثمرين الجدد، لكنّه بالمقابل يعطل المتعلقين بمساكنهم في المنطقة من عمليات الترميم والتجديد.قال إبراهيمي، “إن إدراج المباني ضمن المباني الأثرية، شكّل عائقا أمام القاطنين فيها لترميمها وإصلاحها، وكذلك لم تتمكّن الجهات المعنية من ترميمها.. إن هذه المنطقة أثرية لكنها لم تشهد أي عمليات ترميم تليق بالمناطق الأثرية”. من جانبه، أفاد نائب رئيس دائرة الآثار التاريخية التابعة للمتحف الوطني العراقي، سعد حمزة، بأن الحكومة تعمل على الحفاظ على المباني الأثرية، ضمن حدود إمكانياتها المتاحة. وباشرت أمانة بغداد، بالتعاون مع قيادة أعمال بغداد وبدعم من البنك المركزي العراقي، العمل بإعادة تأهيل وتطوير شارع الرشيد. وذكر بيان لأمانة بغداد في أبريل، “أن الدوائر الفنية والهندسية باشرت بأعمال تأهيل وتطوير شارع الرشيد للمقطع الممتد من تقاطع حافظ القاضي إلى ساحة الرصافي، وفقا للطراز العمراني والتراثي للشارع”. وأوضح البيان، أنّ “أعمال التأهيل تتضمن ترميم الأعمدة وتأهيل الأروقة واستبدال القالب الجانبي وإكساء نهر الشارع وتصميم عربات للباعة الجوالين وتوحيد واجهات المحال التجارية واللوحات الإعلانية، وإنشاء حديقة قرب السوق العربي لإضفاء لمسة جمالية على الشارع”. وعاني الشارع الذي يعتبر من أبرز وأقدم شوارع العاصمة العراقية ويبلغ عمره أكثر من 100 عام، من الإهمال حتى تكاثرت فيه القاذورات والحيوانات الضالة، بالإضافة إلى الأبنية الآيلة للسقوط في أي لحظة. وما يزال المعماريون العراقيون يؤكدون أن التراث المعماري في العراق بصفة عامة، وبغداد بصفة خاصة، يتطلب خطوة مهمة للمحافظة عليه. وبعد أن تعرضت المعالم المعمارية والكنوز الأثرية للتدمير والسرقة والنهب، يحتاج الأمر إلى تكثيف الجهود خاصة من السلطات المعنية لإصلاح ما أفسدته الحرب والدواعش، لتحافظ العراق على هويتها التي تكتمل بما خلفته الحضارات المتعاقبة على بلاد ما بين الرافدين.

مشاركة :