أعرب «جاريد كوشنر» كبير مستشاري الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، في أعقاب ورشة «السلام من أجل الازدهار»، التي عُقدت في المنامة، يومي 25 و26 يونيو2019 عن عزمه الكشف عن الشق السياسي لخططه المتعلقة بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والمسماة بــ«صفقة القرن». وقال في حديث هاتفي مع ممثلين من الصحافة العربية يوم 3/7. إنه سيُقدم قريبا، مزيدًا من التفاصيل حول الجوانب العملية لإقامة تسوية سياسية بين الجانبين، بشأن المواضيع الخلافية مثل وضع القدس وإمكانية قيام دولة فلسطينية. ويُدرك معظم المحللين، أن النهج الذي يتبعه «كوشنر» يتعارض مع مطالب الشعب الفلسطيني وقيادته، والتي أهمها: تنفيذ مقترح حل الدولتين الذي يقضي بجعل القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، وعلى حدود ما قبل 1967؛ وهي أمور ستجعل خطته محكوما عليها بالفشل، باعتبار أنها تُظهر التحيز الصريح لإسرائيل. ويأتي هذا الاستنتاج، استنادًا إلى تصريحات وإجراءات إدارة ترامب حتى الآن، وإلى حقيقة أن واشنطن خلال فترة حكمه، لم تُظهر أي اعتبار لمطالب الشعب الفلسطيني؛ مقوضين موقفهم كطرف مُحايد في أي مفاوضات مستقبلية، وهو ما بدا من خلال العديد من الإجراءات التي اتخذتها منذ بداية عام 2017. بما فيها، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وغير ذلك. وفي ظل أن ترامب هو أول رئيس أمريكي، يتنكر لمواقف الإدارات السابقة، وللجهود الدولية، التي بذلت على مدار أكثر من ربع قرن، ويسعى علنًا إلى تقويض خيار حل الدولتين، الذي يشكل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية منذ عهد «ليندون جونسون» في ستينيات القرن الماضي، والذي رأى أن السلام لن يتحقق إلا بـ«حدود آمنة ومعترف بها» بين إسرائيل وفلسطين. ويوضح كل من «مورييل أسيبورغ» من «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية»، و«هيو لوفات»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» في مجلة «فورين بوليسي»، الأمريكية، أنه «في الوقت الذي لا تزال فيه تفاصيل خطة كوشنر قيد الكتمان، تُفضي تعليقات أعضاء إدارة ترامب وسياستهم إلى أن الجزء السياسي منها سيتغول على حقوق الفلسطينيين ويتجاهل المبادئ الأساسية للقانون الدولي، مثل عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ويتخلى عن المعايير المحددة التي تدعم فكرة دولتين ذواتي سيادة». ويتوقّع معظم المحللين، أن يسعى الشق السياسي للخطة إلى تحقيق أهداف من شأنها، إما عدم مراعاة مصالح الشعب الفلسطيني، أو معارضة رغبتهم في معالجة المظالم التاريخية التي تعرضوا لها. ومن بين جميع نقاط التفاوض، هناك نقطتان أساسيتان لا بد أن يشملهما أي اتفاق من شأنه أن يدعم جميع عمليات التسوية منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993. وهما؛ إمكانية تنفيذ حل الدولتين، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، والنظر في وضع اللاجئين. وفي الواقع، لا تبدو هناك بارقة أمل فيما يتعلق بالنقطة الأولى لكون الخطة لا تراعي رغبات الفلسطينيين بتنفيذ حل الدولتين، كما بيّن «دوف ليبر»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، بقوله: «في حين أن البيت الأبيض لم يكشف حتى الآن ما يتضمنه الشق السياسي من خطته للسلام، إلا أن كوشنر قلما استخدم مصطلح حل الدولتين وهو أمر يُشير إلى عدم تصوره لقيام دولة فلسطينية مستقلة». ويمكن النظر إلى هذا النهج كما يشير «عُمَر عبدالرحمن»، من مركز «بروكنجز» خلال ورشة المنامة، حيث «غاب عن وثيقة السلام من أجل الازدهار أي إشارة لإقامة كيان وطني فلسطيني، ولم تُستخدم كلمة «دولة». وتُشير حقيقة أن صهر الرئيس ليس وحده من يُعارض حل الدولتين، بل معظم إدارة ترامب، إلى استبعاد تضمينها في الجانب السياسي للصفقة، عزز من ذلك بعض تصرفات ترامب المذكورة أعلاه كرئيس فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والتي تدل على أنه ومسؤوليه يمهدون الطريق أمام إسرائيل للشروع في ابتلاع الأراضي الفلسطينية، بدلا من السماح بإقامة دولة فلسطينية مُستقلة. وتؤكد «إليزابيث مارتيو»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أن «اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017 بعث بإشارة إلى أن حل الدولتين لم يعد خيارًا مطروحًا للنقاش». وعليه، توقع الكثيرون، أن كوشنر سيقدم حلا فيما يتعلق بتلبية المطالب الفلسطينية بإقامة وطن لهم، من خلال اللجوء إلى خيار «حل الدولة الواحدة» بحيث تستولي إسرائيل على الضفة الغربية وربما غزة. وفيما يتعلق بقضية اللاجئين، سيُقر سابقة تاريخية بتجاهله السماح لهم بالعودة إلى وطنهم وإلى منازلهم التاريخية سواء في إسرائيل، أو في الأراضي الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، سيركز على نهج تشجيعهم على الاستقرار بشكل دائم في بلد إقامتهم الحالية. وهو ما ألمح إليه كوشنر خلال مؤتمره الصحفي الأخير مع الصحفيين العرب. وظاهريًا، في رده على سؤال مُراسل لبناني عن اللاجئين، حيث قال: إن الخطة ستشمل «حلاً عمليا وعادلاً وقابلا للتطبيق»، عاقدا مُقارنة بين اللاجئين الفلسطينيين المعاصرين، واليهود النازحين من دول الشرق الأوسط عام 1948 في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى؛ والذين ذهب الكثير منهم إلى إسرائيل. قائلا: «انظروا، عندما بدأ الأمر كان الموقف يتضمن 800.000 لاجئ يهودي خرجوا من دول مختلفة بالشرق الأوسط ونحو 800.000 لاجئ فلسطيني تقريبًا». وأضاف «ما حدث للاجئين اليهود هو أن مناطق مختلفة استوعبتهم، بينما لم يستوعب العالم العربي الكثير من هؤلاء اللاجئين مع مرور الوقت». ومن الواضح، أنه يرمي من وراء ذلك إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة، وبقائهم في أماكن إقامتهم، سواء أكانت غزة أو الضفة الغربية أو الأردن أو لبنان أو سوريا. وفي هذه الحالة، فإن توقف الإدارة الأمريكية عن تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، والذي يشكل تمويلها وحده ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.1 مليار دولار، يدل على النوايا الخبيثة لها من خلال صفقة القرن. وحسبما ذكرت كل من «إليزابيث فيريس» و«فرانسيسكا ألبانيز»، في صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية، فقد «اتهمت واشنطن، الأونروا بإدامة أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وأنها جزء من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل». وبالتأكيد، إذا ثبتت صحة هذه التنبؤات والاحتمالات، إما جزئيا أو كليا، فستفشل بلا شك «صفقة القرن». وفي هذا الصدد، يقول «فيليب جوردون» من «مجلس العلاقات الخارجية»، «تعتقد إدارة ترامب أن سياستها الأكثر صرامة تجاه الفلسطينيين ستجبرهم على تقديم تنازلات ضرورية للوصول إلى السلام مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذا النهج يجعل التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين أقل احتمالاً». ومن دون خيار حل الدولتين، تشعر السلطة الفلسطينية بأنها «غير قادرة على دعم خطة تقدم للفلسطينيين دولة مستقلة، كما أن عدم وجوده يعزز من السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية. وهو الأمر الذي يتفق معه «إدوارد جيريجيان» من مركز «كارنيجي» من أنه، « ينبغي عدم التخلي عن حل الدولتين لأنه يوفر إطارا أكثر تماسكًا لعملية التسوية، استنادا إلى قرار الأمم المتحدة رقم «242»، بأنه «لا يمكن تحقيق السلام إلا في إطار قيام دولة فلسطينية، تتألف من غزة والضفة الغربية». أما ما يتعلق باللاجئين «فمن غير المحتمل، أن يرى اللاجئون أو الدول التي تستضيفهم مزيدا من الفرص الاقتصادية كنوع من الحلول الدائمة المعنية برد حقوق اللاجئين ومظالمهم التاريخية»، وهو ما أوضحه الفلسطينيون من أنهم لن يقبلوا أبدًا باتفاق سلام لا يقدم حلولاً لقضاياهم المتعارف عليها». على العموم، على الرغم من أن التفاصيل المتعلقة بالديناميكية السياسية لصفقة القرن لم تعلن بعد، إلا أن الرؤية التي توقعها المحللون تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الخطة إذا ثبت أن هذا هو الشكل المحتمل لها؛ فسيكون محكوما عليها بالفشل، في ضوء أن خيار حل الدولتين هو النهج الأمثل في تحقيق التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من عدم القدرة على تطبيقه في الوقت الحاضر، فإنه يظل قادرا على ضمان حاجة كلا المجتمعين للتمتع بالحقوق السيادية، كما أن بمقدوره أن يضمن تحقيق المطالب الفلسطينية الرئيسية مثل حق العودة واللاجئين والقدس، وهو الأمر الذي سينجح يومًا ما في إنهاء هذا الصراع برمته. فيما يظل السؤال الأهم مطروحا، وهو هل سينجح كوشنر الشاب المبتدئ في عالم الدبلوماسية، فيما عجز عنه المخضرمون، أمثال دنيس روس، وكوندليزا رايس، وجون كيري؟ أم يجعل الرهان على دور أمريكي محتمل، رهانا خاسرا؟.
مشاركة :