الفيلم الأسترالي «دروب»: قصيدة في حب الصحراء

  • 4/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يدور الفيلم الأسترالي "دروب-Tracks" في فلك يختلف عن غيره، فالصراع من أجل البقاء هذه المرة، هو صراع غريب من نوعه. أولاً لأنه في الصحراء، وهي المنطقة التي لا تحضر كثيراً في الأفلام الأمريكية والغربية إلا من خلال أفلام الغرب، في أغلب الحالات، والحالة هنا مختلفة تماماً. والأمر الآخر هو أن هذه الرحلة لم تكن رغم قساوتها وصعوبتها قسرية، وإنما اختيارية بحتة. وما هو أكثر غرابة أن يكون من يقوم بها هو امرأة في العشرينات من عمرها. ولذلك فالسؤال الذي يطرح نفسه طوال الفيلم هو ما الذي يجبر شابة غربية على هجرة المدينة والترحال وحيدة مع أربعة جمال وكلب لعبور 1700 ميل في الصحراء؟. يحكي فيلم "دروب" قصة روبين ديفيدسون التي ذكرتها في كتاب لها بنفس العنوان، نشر عام 1980م، وحاز على جائزة توماس كوك لكتب الرحالة، وأصبح فيما بعد من كلاسيكيات المذكرات وأدب الرحلات. يبدأ الفيلم، في أستراليا عام 1975 م، حيث تعلن روبين -قامت بدورها الأسترالية ميا واسيكوسكا- عن رغبتها الترحال من أليس سبرينجس، وهي مدينة تقع في وسط أستراليا، إلى المحيط الهندي على جمال، عابرة بذلك الصحراء الأسترالية. لا يبدو أن أحداً يقدر مقدار تصميم روبين على الفكرة، وهناك الكثير من العيون الساخرة تعليقاً، ولكنها تبدو بدأبها على العمل وتعلم التعامل مع الجمال مصرة على هذه الرغبة، ولكن العائق الوحيد لها هو شراء الجمال، ورغم العقبات وعدم ترحيب ملاك الجمال في إعطائها حقها لأنها امرأة أولاً وصغيرة في العمر ثانياً، ولكن روبين تحمل إرادة فولاذية وليس لديها أي تحفظ على السكن في أي مكان، مهما كانت حالته بائسة، والكائن الوحيد الذي لا تستغني عن صحبته هو كلبها ديغيتي. يحضر بعض الأصدقاء في منزل مهجور تسكن فيه، ويقترح أحدهم وهو مصور يدعى ريك سمولان "آدم دريفر"، بأن تطلب تمويلاً من مجلة الناشيونال جيوغرافيك لشراء الجمال، على أن تكتب لهم مقالاً مفصلاً بعد انتهاء الرحلة. وهو ما حدث، ولكن كان شرط المجلة الوحيد أن يرافقها المصور سمولان أثناء الرحلة لتصويرها. لم يبد على روبين أي حماس للتصوير، بل كان أول ما أزعجها في الرحلة هو حضوره أو حضور أي شخص آخر. لم يكن في الفيلم الكثير من الحوارات، وكانت كاميرا المبدعة ماندي ووكر قادرة على التقاط تفاصيل بسيطة في الفيلم، لتجعل منه قصيدة بصرية، خاصة في المشاهد التي تبدو كلوحة تشكيلية ل"طيف" نسائي يلتحم بالأفق. كما رصدت ماندي ووكر مترجمة سيناريو ماريون نيلسون، الأفق المفتوح للصحراء، من خلال زوايا وأحجام مختلفة، لنشاهد في الفيلم جمالها ليلاً ونهاراً، ولكن دون أن تغيب عن أعينها قسوتها في أحيان كثيرة، من خلال الأرض بشقوقها الكثيرة من الجفاف، والهياكل العظمية لحيوانات نفقت فيها، وأثر شمسها من خلال الحروق على بشرة روبين. كما نشعر بالتعب وعظم المسافة من خلال رؤية رجليها وهي تمشي لمسافات كثيرة. كانت الصورة قادرة على سرد الكثير عن هذه الرحلة دونما حوارات تذكر. ولا بد من الإشارة هنا إلى مشاهد الفلاش باك لبعض التفاصيل التي تعطينا خلفية أكبر عن روبين وإن لم يكن واضحاً تماماً إن كانت بعض تلك المشاهد هي خيال أو ذاكرة، كمشهد السلك الكهربائي المتدلي من السقف، والذي يشير بشكل خفي، دون ذكر ذلك بوضوح، إلى الوسيلة التي ارتكبت بها. كما أن هناك لقطة تتكرر كثيراً في الفيلم لروبين في صغرها وهي تترك بيت والدها وكلبها المفضل بعد انتحار أمها للعيش مع عمتها، وهو يمثل كما يبدو من سياق الفيلم لحظة مفصلية في حياة روبين تعلمت منها كيف تترك كل شيء تحبه وراءها وتمضي. وقد كانت هناك مخاطر أثناء الرحلة بالطبع، كالحية التي تعبر رقبة روبين أثناء نومها أو الغريب الذي يتطفل عليها بشكل مفاجئ في الليل وسط الصحراء؛ لكن سيناريو هذا الفيلم لم يكتب لهوليوود، ولذلك فلم يبحث عن الإثارة، وإنما هو يسرد هذه التفاصيل كجزء من تجربة ديفيدسون ورؤيتها التي كتبت عنها في "دروب" ثم أكملتها بكتب أخرى عن حياة البدو الرحل في الصين والهند. فديفيدسون ترى أنه لا أجمل من الإنطلاق بدون أي ممتلكات والارتماء في أحضان الطبيعة. وفي لقاء لها مع جريدة "The Age" الإسترالية، تقول ديفيدسون أن البشر كانوا يعيشون بهذا الشكل قبل وجود المجتمعات الزراعية وأنه يجب علينا ألا ننسى هذا النوع من الحياة. فيلم "دروب" هو فيلم جميل وخلاب في صورته وفي أجوائه ويستمد تشويقه وغرابته من غرابة وتفرد الشخصية التي يتناولها، والتي استطاعت ميا واسيكوسكا، بوجهها البريء ونظراتها التي تحمل حزناً دفيناً، أن تجعلنا أقرب لشخصية روبين وأكثر تفهما لعدم حبها للآخرين، رغم غرابة أطوارها. كما أن واسيكوسكا قريبة جداً من حيث الشكل من روبين ديفيدسون. وقد استطاع المخرج جون كوران، باختياره لطاقم التمثيل المناسب وإدارته بشكل جيد، وباهتمامه بكل التفاصيل الصغيرة، في أن يجعل المشاهد يعيش تجربة ديفيدسون بشكل كامل. وكان من الطبيعي أن تحوز المصورة السينمائية ماندي ووكر على جائزة أفضل تصوير سينمائي من رابطة المصورين السينمائيين الأسترالية لأنها قدمت صورة للصحراء من الصعب نسيانها.

مشاركة :