الثورة الصناعية الرابعة تقرّب النساء من المساواة مع الرجال

  • 7/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

صارت التكنولوجيا تتحكم يوما بعد آخر في جل الوظائف مع تنامي المخاوف من استئثارها مستقبلا بتشكيل عالم الأعمال لحساب تقنياتها المتطورة من برامج الذكاء الاصطناعي إلى الروبوتات. وبدأت مراكز التفكير والدراسات تتابع عن كثب هذه التحولات وتأثيراتها المستقبلية، باعتبارها جزءا من الأمن القومي للدول والعالم، والحديث في مثل هذه المواضيع لم يعد ترفا، أو قضية تعني فقط دول العالم المتقدم. الثورة الصناعية الرابعة صارت واقعا يمس كل الدول وأدواتها الرقمية تؤثر على كل المجتمعات دون استثناء، وتداعياتها تشمل كل الفئات المجتمعية. لكن يتفاوت تأثير هذه التداعيات حسب الفئة، فالوضع سيكون مختلفا بين الرجال والنساء مثلا. وهنا، يتساءل خبراء مدافعون عن حقوق المرأة قائلين إن النساء مازلن إلى الآن أسيرات عقلية “عصر الحرملك”، فما هي المزايا التي ستقدمها لهن الثورة الصناعية الرابعة؟ تقدم عالمة الرياضيات البريطانية، الدكتورة آن ماري إيمافيدون، رؤية متفائلة في إجابتها عن التساؤل الذي استهلت به الباحثة في المعهد الملكي البريطاني للسياسات الخارجية (تشاتام هاوس) جينيكا بهردواج، حوارها مع إيمافيدون، والذي يسلط الضوء على النساء والثورة الصناعية الرابعة ضمن سلسلة تبرز تقدم المرأة في الشؤون الدولية. تقول ماري إيمافيدون إن الأبحاث أظهرت أن بعض المهن لن تتأثر بالثورة الصناعية الرابعة وهي المهن المتعلقة بالرعاية والتعليم، أي المهن التي يعتبر الاتصال بالبشر عاملا محوريا فيها، مضيفة أنه “إذا كان الأمر كذلك، ستفتح فرصة كبيرة أمام النساء العاملات في هذه المجالات. وتتفوق العاملات على العاملين لأنهن يملكن الفرصة للحفاظ على وظائفهن في هذه القطاعات، والارتقاء في السلم الوظيفي، ونيل المناصب الإدارية”. وبغض النظر عن بقاء التعليم تحت وصاية بشرية تمسك بآلياتها النساء، فإن المرأة لن تعدم القدرة على الاندماج الفعلي في قلب التغييرات الطارئة على المنظومة الوظيفية العالمية، حيث شددت إيمافيدون على أن التغير التكنولوجي سيوفر مجموعة من الفرص للنساء اللاتي يعملن تحديدا في الصناعات التي لا تفرض عليهن التواجد في مكان محدد للاشتغال. وأوضحت أنه في قطاع مثل التعدين، يجب على العاملين التواجد في المناجم لتأدية مهامهم، لكن سيتمكن العمال من تأدية الجانب التقني من وظائفهم عن بعد، لذلك ستتمتع النساء بآليات ستمكنهن من التعلم، والتدرّب، والعمل عن بعد وبمرونة أكثر من أي وقت مضى بفضل التطور التكنولوجي. غير أن الكثيرين ذهبوا إلى أن التحول التكنولوجي يمكن أن يحدث أثرا سلبيا على العمال، في حال تم استبدالهم بالآلات والروبوتات، متوقعين أن تتضرر النساء أكثر من الرجال من ذلك. وهذا ما يطرح أمام المرأة -سواء أكانت تنتمي إلى البلدان المتقدمة أم إلى البلدان النامية- جملة من التحديات التي قد تواجهها بسبب هذا التغيير، منها كيف يمكن أن يؤثر ذلك على النساء؟ وهل سيتمتعن بأجور عالية أم بأجور زهيدة؟ وهذه النقطة الأخيرة هي بالأساس موضع نزاع عالمي بين النساء والرجال، ولعل دخول الروبوتات على الخط سيفاقم الوضع، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) تعرضت لانتقادات قبل عامين عندما أجبرت على الكشف عن أن 75 بالمئة من العاملين الذين يحصلون على أجر أعلى من 150 ألف جنيه إسترليني سنويا من الرجال والعشرة الأعلى أجرا كلهم رجال. وأعلنت “بي.بي.سي”، في يوليو الحالي، أن ثلاث نساء هن “كلوديا وينكلمان” و”فانيسا فالتس” و”زوي بول” أدرجن على قائمة النجوم العشرة الأعلى أجرا، وهو تغير تقول الإذاعة إنه يظهر التقدم الذي أحرزته في سد فجوة فروق الأجور بين الرجال والنساء. كما أن عشرات الآلاف من النساء شاركن، خلال يونيو الماضي، في إضراب ومسيرات بعدد من المدن السويسرية، للدفاع عن حقوقهن والمطالبة بالمساواة في الأجور. الآلات تظلم النساءأما عن نتائج هذا التحول التكنولوجي ومدى تأثيره على عمل المرأة، فقد أشارت عالمة الرياضيات البريطانية إلى أنه لا يمكن في الوقت الراهن تحديد الوظائف التي ستخسرها المرأة لصالح الرجل. وأوضحت أنه “في حالة اعتبار أمر ما مهما، عادة ما تسند المسؤولية إلى الرجال، وهو ما رأيناه في مجال التكنولوجيا، فعندما أصبح القطاع أكثر أهمية، وخاصة من الناحية التجارية، تدفق الرجال ليشغلوا نسبة مهمة من وظائفه. وعادة ما تمثل النساء اللاتي تخلين عن وظائفهن لرعاية أطفالهن والعناية بشؤون منازلهن جلّ الأشخاص الذين يفقدون عملهم”. ولفتت إلى أن التطبيقات المبنية على خوارزميات تم تدريبها على مجموعات من البيانات التاريخية، تتخذ قرارات غالبا ما لا تكون لصالح المرأة بسبب اتباعها نسق السجلات التي درستها.. “علينا إجبار المصممين على أن يكونوا أخلاقيين ومنصفين في ما يبنونه إذا لم نرد أن تستمر الآلات في ظلم النساء”. وتابعت “فيما يتعلق بكيفية اختلاف تأثير التكنولوجيا على النساء، لست متأكدة بعد.. إننا على اتصال عالمي أمتن مما كان خلال الثورات التكنولوجية القليلة الماضية. ويعني هذا أن ما يحدث للنساء في العالم المتقدم سيمتد ليشمل النساء في البلدان النامية أكثر.. فإذا نظرنا إلى عدد النساء العاملات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الوقت الحالي، سنجد أنّ البلدان النامية تسجل النسبة الأعلى”. وكانت عالمة الرياضيات الإيرانية الراحلة، مريم ميرزاخاني، أول امرأة تحصل على ميدالية فيلدز في الرياضيات عام 2014 في حدث تاريخي مفاجئ. كما أن الأميركية كارين أولينبيك، الأستاذة الفخرية في جامعة تكساس، أثبتت -بحصولها في مارس الماضي على جائزة أبيل النرويجية للرياضيات عن عملها في التحليل الهندسي ونظرية المقياس اللذين غيرا بشكل جذري مشهد الرياضيات- أن المعتقد الشائع بأن الرجال أذكى من النساء ما هو إلا تفكير ساذج. "بي.بي.سي" أعلنت في يوليو الحالي، أن ثلاث نساء هن “كلوديا وينكلمان” و”فانيسا فالتس” و”زوي بول” أدرجن على قائمة النجوم العشرة الأعلى أجرا ومع ذلك أكدت إيمافيدون أن نجاعة التكنولوجيا تعتمد على توظيف البشر لها، حيث قالت إن ردود الفعل على التكنولوجيا كانت مختلفة في جميع أنحاء العالم. ويمكن أن تكون للأمر علاقة باللغة، إذ تشتغل العديد من هذه البرامج باللغة الإنكليزية. كما يظهر تأثير الذكاء الاصطناعي أن له تأثيرا على النساء في البلدان المتقدمة أكثر من النساء في البلدان النامية. وكشفت الأبحاث أن بعض التطبيقات تكرر بشكل آلي عدم المساواة الاجتماعية التي تلحظها في البيانات التي تغذيها، وخاصة فيما يتعلق بالتمييز بين الرجال والنساء، فكيف يمكن أن يتم تحسين هذه العمليات حتى يقع كسر النمط الذي تعلمته؟ ومن المسؤول عن مراقبة النهج الذي تتطور فيه التكنولوجيا؟ وتطرح إيمافيدون السؤال التالي: هل ينبغي أن تقف الحكومات أم الشركات المختصة أم المستهلكون للإشراف على التغيير التكنولوجي الذي يشهده العالم؟ معتبرة أن ذلك يعد محوريّا في هذه المرحلة. وأضافت “يمكننا أن نتخذ أنهجا سريعة لتحسين هذه العمليات، على سبيل المثال أفاد مؤسس شركة فيسبوك ورئيسها التنفيذي، مارك زوكربيرغ، بأن على الحكومات أن تنظم استخدام شعوبها للبيانات. واستغرب البعض مما أدلى به، فهو الذي أنشأ المنصة التي تستخدم بياناتنا”. وتابعت “يبحث معهد ‘مستقبل العمل’ في أطر قد تطبق للتأكد من أن المبرمجين دققوا في أي فجوات في مجموعات البيانات قبل تغذيتها للخوارزميات. لا يجب أن يكون المبرمجون ممتازين في مجال عملهم فقط، بل يجب أن يكونوا واعين بالأخلاقيات. سيساعد ذلك في الحد من أي تمييز قد يغرس في التطبيقات عند تصميمها”فيما يتعلق بمسؤولية المراقبة، تعتقد العالمة البريطانية أنها “موزعة على أكثر من طرف واحد لأنها مخاطرة مشتركة من شأنها أن تضر الحكومات والشركات والمجتمع ككل. لذلك، أدعو إلى تنظيم مناقشات في المجتمع حيث يمكن للحكومات والشركات والأشخاص العاديين أن يجتمعوا لمناقشة أفضل طريقة للمضي قدما”. وأوضحت “عادة ما تضع صناعة التكنولوجيا المبرمج ضد المستخدم، وهي فكرة أساسية خاطئة. يجب أن يكون الجميع قادرين على المساهمة في النقاش حول التكنولوجيا من أجل التوصل إلى حلول مناسبة. ولكن، يخلق هذا تحولا في السلطة وهو ما لا تريده الأطراف التي تمثل الصناعة مصدر أرباحها، لكن هذه خطوة مهمة، ويتعين علينا اتخاذها إذا لم نرد أن نحيل جميع مصالحنا إلى الشركات”. كما أن هناك عددا لا يحصى من النساء اللاتي يعملن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بدءا من عالمة الفيزياء والكيمياء البولندية، ماري كوري، والكاتبة وعالمة الرياضيات الإنكليزية، آدا لوفلايس، وصولا إلى العالمة الأميركية، كاتي بومان. كانت كوري أول امرأة تفوز بجائزة نوبل، وأول من يحصل عليها مرتين، والمرأة الوحيدة التي حصلت عليها في مجالين، والشخص الوحيد الذي يحصل على جائزة نوبل في مجالين علميين. وكانت لوفلايس أول من أدرك أن للآلة تطبيقات تتجاوز مجرد الحساب، ونشرت أول خوارزمية يمكن أن تقوم بها هذه الآلة. ولذلك تعتبر أحيانا أول من عرف الإمكانات الكاملة لـ”الآلة الحاسبة” وأول مبرمج كمبيوتر. أما بومان فقد كانت جزءا من فريق دولي من علماء الفلك الذين صمموا أكبر تلسكوب في العالم لالتقاط أول صورة للثقب الأسود. ومع ذلك، تظهر الأبحاث أن الفتيات لا يبدين رغبة في التخصص في هذه المواد خلال سنوات دراستهن، وأن نسبة النساء العاملات في هذا المجال لا تتجاوز الـ30 بالمئة، ولكن ما هي التحديات التي تواجه النساء العاملات في هذه المجالات؟ وهل تستطيع الثورة الصناعية الرابعة تغيير ذلك؟ واحدة من مجموعةتقول إيمافيدون إنها تصنف هذه النسب ضمن الروايات المبنية على المعايير الاجتماعية، معتبرة أن الموضوع تفجر مع نجاح بومان.. فعندما نتحدث عن ألبرت أينشتاين أو إسحاق نيوتن، نجد أن التاريخ يحتفل بهما كعالمين حققا نجاحاتهما بمفردهما، لكن عندما كشفت التقارير عن إنجاز بومان، شدد بعض المعلقين على أنها كانت مسؤولة عن فريق من المختصين الذين طوروا الخوارزمية التي مكنت من التقاط صورة ثقب أسود، (إنها واحدة من مجموعة من الأشخاص). وماذا عن الأشخاص الآخرين الذين ساعدوا ألبرت أينشتاين أو إسحاق نيوتن”؟ وسبق أن طبقت مجموعة من الشيوخ هذه النظرية -التي تطبق الآن على بومان- على الكاتبة اللبنانية الراحلة نظيرة زين الدين الملقبة بـ”المرأة الحديدية” لدفاعها عن حقوق المرأة، حين ألفت كتابها “السفور والحجاب”، وذهبوا في ذاك الزمن إلى أنها دونت اسمها على كتاب من إنجاز رهط من الرجال غير معترفين بقدرة امرأة على الإدلاء بدلوها في مسائل فقهية. زين الدين واجهت الشيوخ رغم حساسية المسألة، فقد ردت عليهم بكتاب تحت عنوان “الفتاة والشيوخ” لتأكد لهم أنها صاحبة الكتاب وليست اسما مستعارا لرهط من الرجال. ولفتت إيمافيدون إلى “أننا نعاني من هذه العادة المتمثلة في محو قصص الأشخاص أو تعديلها إذا كانت لا تمجد العالمين الذكور. ويؤثر هذا على العلماء الآخرين الذين لا يدركون أن أشخاصا مثلهم ساهموا في بعض الاكتشافات التي غيرت أسس العلوم”. وأضافت أن العالم يعرف كلا من ماري كوري وآدا لوفلايس، لكنه يجهل إسهامات عالمات أخريات في التقدم التكنولوجي.. ونذكر منهن الممثلة والمخترعة الأميركية-النمساوية، هيدي لامار، التي أنشأت نظام “الواي فاي”، والرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات البريطانية، ستيفاني شيرلي، التي أسست أول شركة برمجيات نسائية في الستينات بالمملكة المتحدة، وعالمة الرياضيات الأميركية-الأفريقية، كاثرين جونسون، التي كانت حساباتها في الميكانيكا المدارية محورية في نجاح أول رحلة فضاء أميركية والرحلات التي تلتها. تجاهل العالم العديد من هذه القصص المدهشة، مما جعل الجمهور غير مصدق لقدرة المرأة على النشاط في هذا المجال”.وتأسّفت قائلة “للأسف، تستخدم بعض الأطراف هذه الفرصة لإحباط النساء اللاتي يدرسن أو يعملن في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار. ولا نستطيع الحد من ذلك حتى الآن. بالنسبة إليّ، هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه النساء”. وتابعت “تقدم لنا الثورة الصناعية الرابعة فرصة للتوحد كبشر ضد الخوارزميات، إذ لا يقتصر الأمر على خسارة الرجال لوظائفهم لصالح النساء فحسب، بل يخسر الجنسان وظائفهما بسبب الخوارزميات”. وأضافت “تقدم الثورة الصناعية الرابعة لنا فرصا للعمل معا على تصحيح أخطاء الماضي. ما زلنا نعمل على إيجاد الطريقة الأكثر أخلاقية لتحقيق ذلك، حيث نواجه نوعا من التمييز في مجموعات البيانات التي نبني عليها جميع خوارزمياتنا. نعلم جميعا أن الحياة الواقعية بعيدة عن الكمال، لكن تكرار هذه العيوب في خوارزمياتنا يصمم مستقبلنا مع كل المظالم التي نعاني منها”. لكن هل سيمثل التحول التكنولوجي قوة تساهم في توسيع هذا الانقسام أم تُسْهِم في توحيد البشر وخلق المساواة في المجتمع؟ وحول ذلك قالت إيمافيدون “عملت مع الكثير من الفتيات الصغيرات في المؤسسة التي أنشأتها، ورأيت فيهن قدرة على الحراك الاجتماعي الذي سيتبعهن في حياتهن المهنية. وأرى في التحول التكنولوجي قوة يمكن أن تحقق المساواة بينهن وبين العلماء الذكور”. وتابعت “مع ذلك، أشعر بقلق إزاء مستقبل البشر. لا أعتقد أن التكنولوجيا هي التي تقسمنا، إنما البشر الذين يقودونها، حيث قسم البشر أنفسهم عبر التاريخ قبل أن تتوفر لديهم التكنولوجيا التي يلومونها اليوم.. تمثل التكنولوجيا انعكاسنا. هي لا تريد أن تكون فاصلة أو عادلة، بل تتبع الإرشادات التي نقدمها لها. يجب أن نتذكر ذلك”.

مشاركة :