القارة السمراء تفضل بوش الابن على أوباما وكلينتون

  • 7/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من هو أكثر رئيس أمريكي على قيد الحياة، شعبية في قارة إفريقيا السمراء؟ ليس باراك أوباما، الذي دفع انتخابه في عام 2008، إلى أن تعلن كينيا - الدولة التي تقع في شرقي إفريقيا حيث ولد والده- الحدث عطلة وطنية. وليس بيل كلينتون كذلك، على الرغم من الدعم القوي الذي حظي به من الأوساط الأمريكية -الإفريقية، وكذلك هيمنته المعنوية الرنانة على القارة السمراء. بفارق كبير، حل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في خانة الأكثر احتراما في إفريقيا. السبب الرئيس لشعبية بوش المستمرة هو مبادرة صحية دعا إليها شخصيا، بالاسم المختصر "بيبفار" Pepfar. إن خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز، وهي واحدة من أكبر مبادرات الصحة العالمية في التاريخ، تجاوزت كل ما حققه الرئيس أوباما أو كلينتون في إفريقيا. بالنسبة إلى بوش، فقد صقلت إرثا شوهته مغامرات سيئة التقدير في الشرق الأوسط. لقد بدأت الخطة في عام 2003 لتغطي نحو 50 دولة، فأنقذت حياة نحو 13 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، معظمهم في إفريقيا، من خلال تزويدهم بالأدوية المضادة للفيروسات القهقرية. هذا البرنامج، الذي كلف حتى الآن 80 مليار دولار، منع أيضا نحو 2.2 مليون طفل من التعرض للإصابة بالفيروس، من خلال انتقال العدوى من الأم إلى الطفل. ومثلما قال بوش بنفسه، إضافة إلى كونه الشيء الصحيح الذي يجب فعله من الناحية الأخلاقية، فإن الخطة قد نجحت في تأمين الفوز بأصدقاء للولايات المتحدة في جميع أنحاء القارة. أخبرتني جويس باندا، رئيسة مالاوي السابقة، الأسبوع الماضي في تعبير مألوف للامتنان، "الرئيس الذي وقف وقال سأفعل ذلك هو بوش. بسبب بيبفار، فإن بوش هو أفضل رئيس أمريكي بالنسبة إلي". على عكس بعض المساعدات التنموية، يتميز برنامج "بيبفار" بأنه نجح بشكل واضح. يوجد اليوم نحو 37 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية في جميع أرجاء العالم، وهو الفيروس الذي يسبب مرض الإيدز. هذا أكثر من أي وقت مضى، منذ أن بدأ الوباء. السبب بسيط وهو أن 23.3 مليون شخص، كثير منهم من المستفيدين من البرنامج، يتعاطون الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، التي يمكنها قمع الفيروس إلى أجل غير مسمى. معدلات الإصابة، على الرغم من أنها لا تزال مرتفعة، انخفضت بشكل حاد. انخفض معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في كينيا، البلد الأكثر تضررا في شرقي إفريقيا، من 14 في المائة، في الوقت الذي بدأ فيه البرنامج، إلى نحو 5 في المائة اليوم. إن متوسط العمر المتوقع في جميع أنحاء القارة، الذي انخفض بشدة مع بداية انتشار مرض الإيدز، عاد إلى مستوياته السابقة بقوة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاقتصادات التي هددت ذات مرة، بالدمار الناجم عن خسارة كميات كبيرة من السكان العاملين فيها. حلت إفريقيا في المرتبة السادسة ضمن الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، خلال العام الماضي. لفهم تأثير برنامج بوش، يجب أن يعود المرء إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ20، مع تفجر وباء الإيدز في العالم. في إفريقيا، كان هناك نحو 20 مليون شخص مصاب، منهم نحو 11 ألف شخص يتلقون مجموعة من الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، التي كان تأثيرها كبيرا في تخليص الناس من الموت، وهو ما كان يطلق عليه "تأثير لازاروس". لسوء الحظ، جاءت المعجزة بسعر 20 ألف دولار في السنة. حتى عندما تعرضت شركات الأدوية لضغط قانوني وأخلاقي لخفض الأسعار، ظل الدواء بعيد المنال بالنسبة إلى الأغلبية العظمى من الأفارقة. وظل فيروس نقص المناعة البشرية يحكم بالموت على المصابين به مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، عبر الانتقال بالعدوى من المصابين، مثل الأمهات أو بطرق مختلفة أخرى، مثل الحقن بدم ملوث وإلخ. هنا تدخل بوش، بتشجيع من زوجته لورا. سمع الرئيس أن جرعة واحدة من عقار يسمى نيفيرابين، يمكن أن تمنع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل، من خلال الرضاعة الطبيعية. وفقا لحساب في صحيفة "دالاس مورنينج نيوز"، طلب من الدكتور أنتوني فوشي، إخصائي الإيدز في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، وضع خطة تمويل. وضع الدكتور فوشي مبادرة من شأنها أن تكلف 500 مليون دولار. وسأله بوش عما يلزمه لتحقيق تحول حقيقي. في خطاب حالة الاتحاد عام 2003، طلب الرئيس من الكونجرس تخصيص 15 مليار دولار، على مدى خمس سنوات لمكافحة الوباء. فولد برنامج بيبفار. اليوم، هناك أمران يهددان التقدم الذي تم تحقيقه. أحدهما هو الرضا عن النفس. بعد مضي 30 سنة من اكتشاف الوباء، من المغري إعلان النصر عليه الآن، قبل الأوان. بدون علاج المصابين، فإن فيروس نقص المناعة البشرية سيعود كما كان، ليس في إفريقيا فحسب، بل أيضا في بقية العالم. الثاني هو تمويل برنامج بيبفار الأمريكي نفسه. كان الرئيس أوباما أول من اقترح خفض مخصصات البرنامج، وحث دونالد ترمب على خفضه، بدوره، بنحو 20 في المائة. حتى الآن، رفض الكونجرس ذلك. فكرة المساعدات تتعرض للهجوم، حتى في إفريقيا نفسها. في الولايات المتحدة، يدعم كثيرون خفض المساعدات الخارجية عند 0.18 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وهي نسبة تقبع بالفعل عند قاع جدول مساهمات الدول المتقدمة. في خطاب ألقاه في عام 2016، ربما كان هو الأقرب إلى لحظة، "اخترنا الذهاب إلى القمر" بالنسبة إلى بوش، وجه السؤال مباشرة. قال الرئيس الأمريكي الأسبق، "أعتقد أن إنفاق أقل من أعشار الواحد في المائة من موازنتنا الفيدرالية، لإنقاذ ملايين الأرواح في شتى بقاع العالم، هو من المصالح الأخلاقية والعملية، بل ومن مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة". سيؤيد ذلك ملايين الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم، بل وكذلك الذين يعيشون حياة كاملة ومنتجة، فضلا عمن يتعرضون لخطر انتقال المرض إليهم، جراء القرابة أو ظروف خارجة عن الإرادة.

مشاركة :